إِلَى اللَّهِ وَالِدًا.
وَفِيهِ الْإِيمَاءُ إِلَى أَنَّ مَنْ يَكُونُ مَوْلُودًا مِثْلَ عِيسَى لَا يَكُونُ إِلَهًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِلَهُ مَوْلُودًا لَكَانَ وُجُودُهُ مَسْبُوقًا بِعَدَمٍ لَا مَحَالَةَ، وَذَلِكَ مُحَالٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَسْبُوقًا بِعَدَمٍ لَكَانَ مُفْتَقِرًا إِلَى مَنْ يُخَصِّصُهُ بِالْوُجُودِ بَعْدَ الْعَدَمِ، فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ جُمْلَةِ: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
إِبْطَالُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَالِدًا لِمَوْلُودٍ، أَوْ مَوْلُودًا مِنْ وَالِدٍ بِالصَّرَاحَةِ. وَبَطَلَتْ إِلَهِيَّةُ كُلِّ مَوْلُودٍ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ فَبَطَلَتِ الْعَقَائِدُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى تَوَلُّدِ الْإِلَهِ مِثْلَ عَقِيدَةِ (زَرَادِشْتَ) الثَّانَوِيَّةِ الْقَائِلَةِ بِوُجُودِ إِلَهَيْنِ: إِلَهِ الْخَيْرِ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَإِلَهِ الشَّرِّ وَهُوَ مُتَوَلَّدٌ عَنْ إِلَهِ الْخَيْرِ، لِأَنَّ إِلَهَ الْخَيْرِ وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ (يَزْدَانَ) فَكَّرَ فِكْرَةَ سُوءٍ فَتَوَلَّدَ مِنْهُ إِلَهُ الشَّرِّ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ (أَهْرُمُنْ) ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى مَذْهَبِهِمْ أَبُو الْعَلَاءِ بِقَوْلِهِ:
قَالَ أُنَاسٌ بَاطِلٌ زَعْمُهُمْ ... فَرَاقِبُوا اللَّهَ وَلَا تَزْعُمُنْ
فَكَّرَ (يَزْدَانُ) عَلَى غِرَّةٍ ... فَصِيغَ مِنْ تَفْكِيرِهِ (أَهْرُمُنْ)
وَبَطَلَتْ عَقِيدَةُ النَّصَارَى بِإِلَهِيَّةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِتَوَهُّمِهِمْ أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ وَأَنَّ ابْن الْإِلَه لَا يَكُونُ إِلَّا إِلَهًا بِأَنَّ الْإِلَهَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ فَلَيْسَ عِيسَى بِابْن لله، وَبِأَنَّ الْإِلَهَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مَوْلُودًا بَعْدَ عَدَمٍ. فَالْمَوْلُودُ الْمُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهُ مَوْلُودٌ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ عِيسَى إِلَهًا.
فَلَمَّا أَبْطَلَتِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى إِلَهِيَّةَ إِلَهٍ غَيْرِ اللَّهِ بِالْأَصَالَةِ، وَأَبْطَلَتِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ إِلَهِيَّةَ غَيْرِ اللَّهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، أَبْطَلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ إِلَهِيَّةَ غَيْرِ اللَّهِ بِالْفَرْعِيَّةِ وَالتَّوَلُّدِ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ.
وَإِنَّمَا نَفْيُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَالِدًا وَأَنْ يَكُونَ مَوْلُودًا فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، لِأَنَّ عَقِيدَةَ التَّوَلُّدِ ادَّعَتْ وُقُوعَ ذَلِكَ فِي زَمَنٍ مَضَى، وَلَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ أَنَّ اللَّهَ سَيَتَّخِذُ وَلَدًا فِي الْمُسْتَقْبل.
[4]
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)
فِي معنى التذييل لِلْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ مَضْمُونِهَا لِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ الْمُتَقَدِّمَةَ صَرِيحَهَا وَكِنَايَتَهَا وَضِمْنِيَّهَا لَا يُشْبِهُهُ فِيهَا غَيْرُهُ، مَعَ إِفَادَةِ هَذِهِ انْتِفَاءَِِ