الْمُشَاهَدَةِ، فَالْمَعْنَى: وَرَأَيْتَ نَاسًا كَثِيرِينَ أَوْ وَرَأَيْت الْعَرَبَ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: «قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ «الِاسْتِيعَابِ» فِي بَابِ خِرَاشٍ الْهُذَلِيِّ: لَمْ يَمُتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْعَرَبِ رَجُلٌ كَافِرٌ بَلْ دَخَلَ الْكُلُّ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ حُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ، مِنْهُمْ مَنْ قَدِمَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَدِمَ وَافِدُهُ» اهـ. وَإِنَّمَا يُرَادُ عَرَبُ الْحِجَازِ وَنَجْدٍ وَالْيَمَنِ لِأَنَّ مِنْ عَرَبِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ مَنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَهُمْ:
تَغْلَبُ وَغَسَّانُ فِي مشارف الشَّام وَالشَّام، وَكَذَلِكَ لَخْمٍ وَكَلْبٍ مِنَ الْعِرَاقِ فَهَؤُلَاءِ كَانُوا نَصَارَى وَلَمْ يُسْلِمْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إِلَّا بَعْدَ فَتْحِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ رُؤْيَةً بَصَرِيَّةً.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَعْلَمَهُ بِذَلِكَ إِنْ جَعَلْنَا الرُّؤْيَةَ عِلْمِيَّةً.
وَالْأَفْوَاجُ: جَمْعُ فَوْجٍ وَهُوَ الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ فِي سُورَةِ ص [59] ، أَيْ يَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَام قبائل، وَانْتَصَبَ أَفْواجاً عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ يَدْخُلُونَ وَجُمْلَةُ: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ جَوَابُ إِذا بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَفِعْلُ فَسَبِّحْ هُوَ الْعَامِلُ فِي إِذا النَّصْبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَالْفَاءُ رَابِطَةٌ لِلْجَوَابِ لِأَنَّهُ فِعْلُ إِنْشَاءٍ.
وَقَرَنَ التَّسْبِيحَ بِالْحَمْدِ بِبَاءِ الْمُصَاحَبَةِ الْمُقْتَضِيَةِ أَنَّ التَّسْبِيحَ لَاحِقٌ لِلْحَمْدِ لِأَنَّ بَاءَ
الْمُصَاحَبَةِ بِمَعْنَى (مَعَ) فَهِيَ مِثْلَ (مَعَ) فِي أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْمَتْبُوعِ فَكَانَ حَمْدُ اللَّهِ عَلَى حُصُولِ النَّصْرِ وَالْفَتْحِ وَدُخُولِ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ شَيْئًا مَفْرُوغًا مِنْهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْأَمْرِ بِإِيقَاعِهِ لِأَنَّ شَأْنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى تَذْكِيرِهِ بِتَسْبِيحٍ خَاصٍّ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ قَبْلُ فِي تَسْبِيحَاتِهِ وَبِاسْتِغْفَارٍ خَاصٍّ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ قَبْلُ فِي اسْتِغْفَارِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّسْبِيحُ الْمَأْمُورُ بِهِ تَسْبِيحَ ابْتِهَاجٍ وَتَعَجُّبٍ مِنْ تَيْسِيرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ مَا لَا يَخْطُرُ بِبَالِ أَحَدٍ أَنْ يَتِمَّ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ سُبْحَانَ اللَّهَ وَنَحْوَهُ يُسْتَعْمَلُ فِي التَّعَجُّبِ كَقَوْلِ الْأَعْشَى: