وَالتَّعْرِيفُ فِي «الْفَتْحِ» لِلْعَهْدِ وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [الْقَصَص: 85] وَقَوْلُهُ: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً [الْفَتْح: 27] . وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ سُورَةِ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ.
وَقَدِ اتَّفَقَتْ أَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ السَّلَفِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ الْفَتْحَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ هُوَ فَتْحُ مَكَّةَ إِلَّا رِوَايَةً عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ فَتْحُ الْمَدَائِن والقصور، يعنون الْحُصُونَ. وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ يُخَالِجُ نُفُوسَ الْعَرَبِ كُلِّهِمْ فَالْمُسْلِمُونَ كَانُوا يَرْجُونَهُ وَيَعْلَمُونَ مَا أَشَارَ بِهِ الْقُرْآنُ من الْوَعْد بِهِ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَتَوَقَّعُونَهُ وَبَقِيَّةُ الْعَرَبِ يَنْتَظِرُونَ مَاذَا يَكُونُ الْحَالُ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَبَيْنَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَلَوَّمُونَ بِدُخُولِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ فَتْحَ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِنْ ظَهَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى قومه فَهُوَ نبيء. وَتَكَرَّرَ أَنْ صَدَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِمَّنْ يُرِيدُ اتِّبَاعَ الْإِسْلَامِ عَنِ الدُّخُولِ فِيهِ وَإِنْظَارُهُ إِلَى مَا سَيَظْهَرُ مِنْ غَلَبِ الْإِسْلَامِ أَوْ غَلَبِ الشِّرْكِ.
أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: «لَمَّا كَانَ الْفَتْحُ بَادَرَ كل قوم بِإِسْلَامِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتِ الْأَحْيَاءُ تَتَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهَا فَتْحَ مَكَّةَ فَيَقُولُونَ دَعُوهُ وَقَوْمَهُ فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيءٌ» .
وَعَنِ الْحَسَنِ: لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ أَقْبَلَتِ الْعَرَبُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فَقَالُوا: أَمَّا إِذْ ظَفِرَ بِأَهْلِ الْحَرَمِ فَلَيْسَ لَنَا بِهِ يَدَانِ فَكَانُوا يَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَامِ أَفْوَاجًا. فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ فِي أَنَّ الْفَتْحَ هُوَ فَتْحُ مَكَّةَ يَسْتَقِيمُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ فِي وَقْتِ نُزُولِهَا.
وَيُحْتَمَلُ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا نَزَلَتْ عَقِبَ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ أَنْ يَكُونَ الْفَتْحُ قَدْ مَضَى وَيَكُونَ التَّعْلِيقُ عَلَى مَجْمُوعِ فَتْحِ مَكَّةَ وَمَجِيءِ نَصْرٍ مِنَ اللَّهِ آخَرَ وَدُخُولِ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ بِمَا فَتَحَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَدُخُولِ الْعَرَبِ كُلِّهِمْ فِي الْإِسْلَامِ سَنَةَ الْوُفُودِ.
وَعَلَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ» يَكُونُ تَعْلِيقُ جُمْلَةِ:
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ عَلَى الشَّرْطِ الْمَاضِي مُرَادًا بِهِ التَّذْكِيرُ بِأَنَّهُ حَصَلَ، أَيْ إِذَا