لَوْ يَقُومُ الْفِيلُ أَوْ فَيَّالُهُ ... زَلَّ عَنْ مِثْلِ مَقَامِي وَرَحَلْ
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ فِي قَصِيدَتِهِ:
لَقَدْ أَقُومُ مَقَامًا لَوْ يَقُومُ بَهِ ... أَرَى وَأَسْمَعُ مَا لَوْ يَسْمَعُ الْفِيلُ
لَظَلَّ يَرْعَدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ ... مِنْ الرَّسُولِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَنْوِيلُ
وَكُنْتُ رَأَيْتُ أَنَّ.... قَالَ إِنَّ أُمَّهُ أَرَتْهُ أَوْ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا رَأَتْ رَوَثَ الْفِيلِ بِمَكَّةَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَلَعَلَّهُمْ تَرَكُوا إِزَالَتَهُ لِيَبْقَى تَذْكِرَةً.
وَعَنْ عَائِشَةَ وَعَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ: رَأَيْتُ قَائِدَ الْفِيلِ وَسَائِسَهُ بِمَكَّةَ أَعْمَيَيْنِ مُقْعَدَيْنِ يَسْتَطْعِمَانِ النَّاسَ.
وَالْمَعْنَى: أَلَمْ تَعْلَمِ الْحَالَةَ الْعَجِيبَةَ الَّتِي فَعَلَهَا اللَّهُ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، فَهَذَا تَقْرِيرٌ عَلَى إِجْمَالٍ يُفَسِّرُهُ مَا بعده.
[2- 5]
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
هَذِهِ الْجُمَلُ بَيَانٌ لِمَا فِي جُمْلَةِ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ [الْفِيل: 1] مِنَ الْإِجْمَالِ.
وَسَمَّى حَرْبَهُمْ كَيْدًا لِأَنَّهُ عَمَلٌ ظَاهِرُهُ الْغَضَبُ مِنْ فِعْلِ الْكِنَانِيِّ الَّذِي قَعَدَ فِي الْقَلِيسِ. وَإِنَّمَا هُوَ تَعِلَّةٌ تَعَلَّلُوا بِهَا لِإِيجَادِ سَبَبٍ لِحَرْبِ أَهْلِ مَكَّةَ وَهَدْمِ الْكَعْبَةِ لِيَنْصَرِفَ الْعَرَبُ إِلَى حَجِّ الْقَلِيسِ فِي صَنْعَاءَ فَيَتَنَصَّرُوا.
أَوْ أُرِيدَ بِكَيْدِهِمْ بِنَاؤْهُمُ الْقَلِيسِ مُظْهِرِينَ أَنَّهُمْ بَنَوْا كَنِيسَةً وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبْطِلُوا الْحَجَّ إِلَى الْكَعْبَةِ وَيَصْرِفُوا الْعَرَبَ إِلَى صَنْعَاءَ.
وَالْكَيْدُ: الِاحْتِيَالُ عَلَى إِلْحَاقِ ضُرٍّ بِالْغَيْرِ وَمُعَالَجَةِ إِيقَاعِهِ.
وَالتَّضْلِيلُ: جَعْلُ الْغَيْرِ ضَالًّا، أَيْ لَا يَهْتَدِي لِمُرَادِهِ وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ فِي الْإِبْطَالِ وَعَدَمِ نَوَالِ الْمَقْصُودِ لِأَنَّ ضَلَالَ الطَّرِيقِ عَدَمُ وُصُولِ السَّائِرِ.
وَظَرْفِيَّةُ الْكَيْدِ فِي التَّضْلِيلِ مَجَازِيَّةٌ، اسْتُعِيرَ حَرْفُ الظَّرْفِيَّةِ لِمَعْنَى الْمُصَاحَبَةِ