وَوُصِفَتْ نارُ اللَّهِ وَصْفًا ثَانِيًا بِ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ.

وَالِاطِّلَاعُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْإِتْيَانِ مُبَالَغَةً فِي طَلَعَ، أَيْ الْإِتْيَانُ السَّرِيعُ بِقُوَّةٍ وَاسْتِيلَاءٍ، فَالْمَعْنَى: الَّتِي تَنْفُذُ إِلَى الْأَفْئِدَةِ فَتَحْرِقُهَا فِي وَقْتِ حَرْقِ ظَاهِرِ الْجَسَدِ.

وَأَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْكَشْفِ وَالْمُشَاهَدَةِ قَالَ تَعَالَى: فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ [الصافات: 55] فَيُفِيدُ أَنَّ النَّارَ تَحْرِقُ الْأَفْئِدَةَ إِحْرَاقَ الْعَالِمِ بِمَا تَحْتَوِي عَلَيْهِ الْأَفْئِدَةُ مِنَ الْكُفْرِ فَتُصِيبُ كُلَّ فُؤَادٍ بِمَا هُوَ كِفَاؤُهُ مِنْ شِدَّةِ الْحَرْقِ عَلَى حَسَبِ مَبْلَغِ سُوءِ اعْتِقَادِهِ، وَذَلِكَ بِتَقْدِيرٍ مِنَ اللَّهِ بَيْنَ شِدَّةِ النَّارِ وَقَابِلِيَّةِ الْمُتَأَثِّرِ بِهَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا مقدّره.

[8، 9]

[سُورَة الْهمزَة (104) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)

هَذِهِ جُمْلَةٌ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صِفَةً ثَالِثَةً لِ نارُ اللَّهِ [الْهمزَة: 6] بِدُونِ عَاطِفٍ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا وَتَأْكِيدُهَا بِ (إِنَّ) لِتَهْوِيلِ الْوَعِيدِ بِمَا يَنْفِي عَنْهُ احْتِمَالَ الْمَجَازِ أَوِ الْمُبَالَغَةِ.

وَمُوصَدَةٌ: اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَوْصَدَ الْبَابَ، إِذَا أَغْلَقَهُ غَلْقًا مطبقا. وَيُقَال: آاصد

بِهَمْزَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَصْلِيَّةٌ وَالْأُخْرَى هَمْزَةُ التَّعْدِيَةِ، وَيُقَالُ: أَصَدَ الْبَابَ فِعْلًا ثُلَاثِيًّا، وَلَا يُقَالُ: وَصَدَ بِالْوَاوِ بِمَعْنَى أَغْلَقَ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: مُوصَدَةٌ بِوَاوٍ بَعْدَ الْمِيمِ عَلَى تَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ، وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَيَعْقُوبُ وَخَلَفٌ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ الْمَضْمُومَةِ.

وَمَعْنَى إِيصَادِهَا عَلَيْهِمْ: مُلَازَمَةُ الْعَذَابِ وَالْيَأْسُ مِنَ الْإِفْلَاتِ مِنْهُ كَحَالِ الْمَسَاجِينِ الَّذِينَ أُغْلِقَ عَلَيْهِمْ بَابُ السِّجْنِ تَمْثِيلُ تَقْرِيبٍ لِشِدَّةِ الْعَذَابِ بِمَا هُوَ مُتَعَارَفٌ فِي أَحْوَالِ النَّاسِ، وَحَالُ عَذَابِ جَهَنَّمَ أَشَدُّ مِمَّا يَبْلُغُهُ تَصَوُّرُ الْعُقُولِ الْمُعْتَادُ.

وَقَوْلُهُ: فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ حَالٌ: إِمَّا مِنْ ضَمِيرِ عَلَيْهِمْ أَيْ فِي حَالِ كَوْنِهِمْ فِي عَمَدٍ، أَيْ مَوْثُوقِينَ فِي عَمَدٍ كَمَا يُوثَقُ الْمَسْجُونُ الْمُغْلَظُ عَلَيْهِ مِنْ رِجْلَيْهِ فِي فَلْقَةٍ ذَاتِ ثَقْبٍ يُدْخَلُ فِي رِجْلِهِ أَوْ فِي عُنُقِهِ كَالْقِرَامِ. وَإِمَّا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ إِنَّها،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015