والْمَقابِرَ: جَمْعُ مَقْبَرَةٍ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِضَمِّهَا. وَالْمَقْبَرَةُ الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا قُبُورٌ كَثِيرَةٌ.
وَالتَّوْبِيخُ الَّذِي اسْتُعْمِلَ فِيهِ الْخَبَرُ أُتْبِعَ بِالْوَعِيدِ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَبِحَرْفِ الزَّجْرِ وَالْإِبْطَالِ بِقَوْلِهِ: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ فَأَفَادَ كَلَّا زَجْرًا وَإِبْطَالًا لِإِنْهَاءِ التَّكَاثُرِ.
وسَوْفَ لِتَحْقِيقِ حُصُول الْعلم. وحدف مَفْعُولُ تَعْلَمُونَ لِظُهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ:
تَعْلَمُونَ سُوءَ مَغَبَّةِ لَهْوِكُمْ بِالتَّكَاثُرِ عَنْ قَبُولِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ.
وَأُكِّدَ الزَّجْرُ وَالْوَعِيدُ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ فَعَطَفَ عَطْفًا لَفْظِيًّا بِحَرْفِ التَّرَاخِي أَيْضًا لِلْإِشَارَةِ إِلَى تَرَاخِي رُتْبَةِ هَذَا الزَّجْرِ وَالْوَعِيدِ عَنْ رُتْبَةِ الزَّجْرِ وَالْوَعِيدِ الَّذِي قَبْلَهُ، فَهَذَا زَجْرٌ وَوَعِيدٌ مُمَاثِلٌ لِلْأَوَّلِ لَكِنْ عَطْفُهُ بِحَرْفِ ثُمَّ اقْتَضَى كَوْنَهُ أَقْوَى مِنَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَفَادَ تَحْقِيقَ الْأَوَّلِ وَتَهْوِيلَهُ.
فَجُمْلَةُ: ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ تَوْكِيدٌ لَفْظِيٌّ لِجُمْلَةِ: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَا يَنْزِلُ بِكُمْ مِنْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ: ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ عِنْدَ الْبَعْثِ أَنَّ مَا وُعِدْتُمْ بِهِ صِدْقٌ، أَيْ تُجْعَلُ كُلُّ جُمْلَةٍ مُرَادًا بِهَا تَهْدِيدٌ بِشَيْءٍ خَاصٍّ. وَهَذَا مِنْ مُسْتَتْبَعَاتِ التَّرَاكِيبِ وَالتَّعْوِيلِ عَلَى مَعُونَةِ الْقَرَائِنِ بِتَقْدِيرِ مَفْعُولٍ خَاصٍّ لِكُلٍّ مِنْ فِعْلَيْ تَعْلَمُونَ، وَلَيْسَ تَكْرِيرُ الْجُمْلَةِ بِمُقْتَضٍ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْكَلَامِ. وَمُفَادُ التَّكْرِيرِ حَاصِلٌ عَلَى كل حَال.
[5]
كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)
أُعِيدَ الزَّجْرُ ثَالِثَ مَرَّةٍ زِيَادَةً فِي إِبْطَالِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهْوِ عَنِ التَّدَبُّرِ فِي أَقْوَالِ الْقُرْآنِ لَعَلَّهُمْ يُقْلِعُونَ عَن انكبابهم على التَّكَاثُرِ مِمَّا هُمْ يَتَكَاثَرُونَ فِيهِ وَلَهْوِهِمْ بِهِ عَنِ النَّظَرِ فِي دَعْوَةِ الْحَقِّ وَالتَّوْحِيدِ. وَحَذَفَ مَفْعُولَ تَعْلَمُونَ لِلْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ.
وَجُمْلَةُ: لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ تَهْوِيلٌ وَإِزْعَاجٌ لِأَنَّ حَذْفَ جَوَابِ لَوْ يَجْعَلُ النُّفُوسَ تَذْهَبُ فِي تَقْدِيرِهِ كُلَّ مَذْهَبٍ مُمْكِنٍ. وَالْمَعْنَى: لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ