وَ «أَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا» : أَصْعَدْنَ الْغُبَارَ مِنَ الْأَرْضِ مِنْ شِدَّةِ عَدْوِهِنَّ، وَالْإِثَارَةُ: الْإِهَاجَةُ، وَالنَّقْعُ: الْغُبَارُ.

وَالْبَاءُ فِي بِهِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سَبَبِيَّةً، وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ عَائِدٌ إِلَى الْعَدْوِ الْمَأْخُوذِ مِنَ الْعادِياتِ وَيَجُوزُ كَوْنُ الْبَاءِ ظَرْفِيَّةً وَالضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى صُبْحاً، أَيْ أَثَرْنَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ وَقْتُ إِغَارَتِهَا.

وَمَعْنَى: «وَسَطْنَ» : كُنَّ وَسْطَ الْجَمْعِ، يُقَالُ: وَسَطَ الْقَوْمَ، إِذَا كَانَ بَيْنَهُمْ.

وجَمْعاً مَفْعُولُ: «وَسَطْنَ» وَهُوَ اسْمٌ لِجَمَاعَةِ النَّاسِ، أَيْ صِرْنَ فِي وسط الْقَوْم المغزوون. فَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِبِلِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ قَوْله: جَمْعاً بِمَعْنى الْمَكَان الْمُسَمّى جَمْعاً وَهُوَ الْمُزْدَلِفَةُ فَيَكُونَ إِشَارَةً إِلَى حُلُولِ الْإِبِلِ فِي مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ أَنْ تُغِيرَ صُبْحًا مِنْهَا إِلَى عَرَفَةَ إِذْ لَيْسَ ثَمَّةَ جَمَاعَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فِي مَكَانٍ تَصِلُ إِلَيْهِ هَذِهِ الرَّوَاحِلُ.

وَمِنْ بَدِيعِ النَّظْمِ وَإِعْجَازِهِ إِيثَارُ كَلِمَاتِ «الْعَادِيَاتِ وَضَبْحًا وَالْمُورِيَاتِ وَقَدْحًا، وَالْمُغِيرَاتِ وَصُبْحًا، وَوَسَطْنَ وَجَمْعًا» دُونَ غَيرهَا لِأَنَّهَا برشقاتها تَتَحَمَّلُ أَنْ يَكُونَ الْمُقْسَمُ بِهِ خَيْلَ الْغَزْوِ ورواحل الْحَج.

وعطفت هَذِهِ الْأَوْصَافَ الثَّلَاثَةَ الْأُولَى بِالْفَاءِ لِأَنَّ أُسْلُوبَ الْعَرَبِ فِي عَطْفِ الصِّفَاتِ وَعَطْفِ الْأَمْكِنَةِ أَنْ يَكُونَ بِالْفَاءِ وَهِيَ لِلتَّعْقِيبِ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ تَكُونَ لِتَعْقِيبِ الْحُصُولِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَكَمَا فِي قَوْلِ ابْنِ زَيَّابَةَ:

يَا لَهْفَ زَيَّابَةَ لِلْحَارِثِ الصَّ ... ابَحِ فَالْغَانِمِ فَالْآيِبِ (?)

وَقَدْ يَكُونُ لِمُجَرَّدِ تَعْقِيبِ الذِّكْرِ كَمَا فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ.

وَالْفَاءُ الْعَاطِفَةُ لِقَوْلِهِ: فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً عَاطِفَةٌ عَلَى وَصْفِ «الْمُغِيرَاتِ» . وَالْمَعْطُوفُ بِهَا مِنْ آثَارِ وَصْفِ الْمُغِيرَاتِ. وَلَيْسَتْ عَاطِفَةً عَلَى صِفَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ مِثْلَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015