وَانْتَصَبَ أَخْبارَها عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَهُوَ بَاءُ تَعْدِيَةِ فِعْلِ تُحَدِّثُ وَقَوْلُهُ: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِفِعْلِ تُحَدِّثُ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِسَبَبِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهَا أَنْ تُحَدِّثَ أَخْبَارَهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ أَخْبارَها وَأُظْهِرَتِ الْبَاءُ فِي الْبَدَلِ لِتَوْكِيدِ تَعْدِيَةِ فِعْلِ تُحَدِّثُ إِلَيْهِ، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ قَدْ أُجْمِلَتْ أَخْبَارُهَا وَبَيَّنَهَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ.
وَأُطْلِقَ الْوَحْيُ عَلَى أَمْرِ التَّكْوِينِ، أَيْ أَوْجَدَ فِيهَا أَسْبَابَ إِخْرَاجِ أَثْقَالِهَا فَكَأَنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا بِكَلَامٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً [النَّحْل:
68] الْآيَاتِ.
وَعُدِّيَ فِعْلُ أَوْحى بِاللَّامِ لِتَضْمِينِ أَوْحى مَعْنَى قَالَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً [فصلت: 11] ، وَإِلَّا فَإِنَّ حَقَّ أَوْحى أَنْ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ (إِلَى) .
وَالْقَوْلُ الْمُضَمَّنُ هُوَ قَوْلُ التَّكْوِينِ قَالَ تَعَالَى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النَّحْل: 40] .
وَإِنَّمَا عُدِلَ عَنْ فِعْلِ: قَالَ لَهَا إِلَى فِعْلِ أَوْحى لَها لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ تَكْوِينٍ لَا عَنْ قَوْلٍ لَفْظِيٍّ.
وَقَوْلُهُ: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً بَدَلٌ مِنْ جُمْلَةِ: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها وَالْجَوَابُ هُوَ فِعْلُ يَصْدُرُ النَّاسُ وَقَوْلُهُ: يَوْمَئِذٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَقُدِّمَ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ لِلِاهْتِمَامِ. وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْكَلَامِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَسُوقٌ لِإِثْبَاتِ الْحَشْرِ وَالتَّذْكِيرِ بِهِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ أَهْوَالِهِ فَإِنَّهُ عِنْدَ حُصُولِهِ يَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّ الزِّلْزَالَ كَانَ إِنْذَارًا بِهَذَا الْحَشْرِ.
وَحَقِيقَةُ يَصْدُرُ النَّاسُ الْخُرُوجُ مِنْ مَحَلِّ اجْتِمَاعِهِمْ، يُقَالُ: صَدَرَ عَنِ الْمَكَانِ، إِذَا تَرَكَهُ وَخَرَجَ مِنْهُ صُدُورًا وَصَدَرًا بِالتَّحْرِيكِ. وَمِنْهُ الصَّدْرُ عَنِ الْمَاءِ بَعْدَ الْوِرْدِ، فَأُطْلِقَ هُنَا فِعْلُ يَصْدُرُ عَلَى خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الْحَشْرِ جَمَاعَاتٍ، أَوِ انْصِرَافِهِمْ مِنَ الْمَحْشَر إِلَى مآويهم مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ، تَشْبِيهًا بِانْصِرَافِ النَّاسِ عَنِ الْمَاءِ بَعْدَ الْوِرْدِ.