وَقَدْ عُدَّتِ الرَّابِعَةَ وَالتِّسْعِينَ فِي عِدَادِ نُزُولِ السُّوَرِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَنَظَمَهُ الْجَعْبَرِيُّ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ جَعَلَهَا بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ وَقَبْلَ سُورَةِ الْحَدِيدِ.
وَعَدَدُ آيِهَا تِسْعٌ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعَدَدِ، وَعَدَّهَا أَهْلُ الْكُوفَةِ ثَمَانِيَ لِلِاخْتِلَافِ فِي أَنَّ قَوْلَهُ: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ [الزلزلة: 6] آيَتَانِ أَوْ آيَة وَاحِدَة.
إِثْبَاتُ الْبَعْثِ وَذِكْرُ أَشْرَاطِهِ وَمَا يَعْتَرِيِ النَّاسَ عِنْدَ حُدُوثِهَا مِنَ الْفَزَعِ.
وَحُضُورُ النَّاسِ لِلْحَشْرِ وَجَزَائِهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَهُوَ تَحْرِيضٌ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَاجْتنَاب الشَّرّ.
[1- 6]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (2) وَقالَ الْإِنْسانُ مَا لَها (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (4)
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (6)
افْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِظَرْفِ الزَّمَانِ مَعَ إِطَالَةِ الْجُمَلِ الْمُضَافِ إِلَيْهَا الظَّرْفُ تَشْوِيقٌ إِلَى مُتَعَلِّقِ الظَّرْفِ إِذِ الْمَقْصُودُ لَيْسَ تَوْقِيتَ صُدُورِ النَّاسِ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ بَلِ الْإِخْبَارُ عَنْ وُقُوعِ ذَلِكَ وَهُوَ الْبَعْثُ، ثُمَّ الْجَزَاءُ، وَفِي ذَلِكَ تَنْزِيلُ وُقُوعِ الْبَعْثِ مَنْزِلَةَ الشَّيْءِ الْمُحَقَّقِ الْمَفْرُوغِ مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يُهِمُّ النَّاسَ إِلَّا مَعْرِفَةُ وَقْتِهِ وَأَشْرَاطِهِ فَيَكُونُ التَّوْقِيتُ كِنَايَةً عَنْ تَحْقِيقِ وُقُوعِ الْمُوَقَّتِ.
وَمَعْنَى زُلْزِلَتِ: حُرِّكَتْ تَحْرِيكًا شَدِيدًا حَتَّى يُخَيَّلَ لِلنَّاسِ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ حَيِّزِهَا لِأَنَّ فِعْلَ زُلْزِلَ مَأْخُوذٌ مِنَ الزَّلَلِ وَهُوَ زَلَقُ الرِّجْلَيْنِ، فَلَمَّا عَنَوْا شِدَّةَ الزَّلَلِ ضَاعَفُوا الْفِعْلَ لِلدَّلَالَةِ بِالتَّضْعِيفِ عَلَى شِدَّةِ الْفِعْلِ كَمَا قَالُوا: كَبْكَبَهُ، أَيْ كَبَّهُ وَلَمْلَمَ بِالْمَكَانِ مِنَ اللَّمِّ.
وَالزِّلْزَالُ: بِكَسْرِ الزَّايِ الْأَوْلَى مَصْدَرُ زَلْزَلَ، وَأَمَّا الزَّلْزَالُ بِفَتْحِ الزَّايِ فَهُوَ اسْمُ