الرَّابِعُ: تَأْوِيلُ حَتَّى أَنَّهَا بِمَعْنَى (إِنَّ) الِاتِّصَالِيَّةَ. وَالتَّقْدِيرُ: وَإِنْ جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ.
الْخَامِسُ: تَأْوِيلُ رَسُولٌ بِأَنَّهُ رَسُولٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَتْلُو عَلَيْهِمْ صُحُفًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ [النِّسَاء:
153] وَعَزَاهُ الْفَخْرُ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ وَهُوَ يَقْتَضِي صَرْفَ الْخَبَرِ إِلَى التَّهَكُّمِ.
هَذَا وَالْمُرَادُ بِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أَنَّهُمْ كَفَرُوا برسالة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ [الْحَشْر: 11] .
وَأَنْتَ لَا يَعُوزُكَ إِرْجَاعُ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى هَذِهِ الْمَعَاقِدِ فَلَا نَحْتَاجُ إِلَى التَّطْوِيلِ بِذِكْرِهَا فَدُونَكَ فَرَاجِعْهَا إِنْ شِئْتَ، فَبِنَا أَنْ نَهْتَمَّ بِتَفْسِيرِ الْآيَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْبَيِّنِ.
إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ وَرَدَتْ مَوْرِدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَلَى
الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّهُمْ مُتَنَصِّلُونَ مِنَ الْحَقِّ مُتَعَلِّلُونَ لِلْإِصْرَارِ عَلَى الْكُفْرِ عِنَادًا، فَلْنَسْلُكْ بِالْخَبَرِ مَسْلَكَ مَوْرِدِ الْحُجَّةِ لَا مَسْلَكَ إِفَادَةِ النِّسْبَةِ الْخَبَرِيَّةِ فَتَعَيَّنَ عَلَيْنَا أَنْ نَصْرِفَ التَّرْكِيبَ عَنِ اسْتِعْمَالِ ظَاهِرِهِ إِلَى اسْتِعْمَالٍ مَجَازِيٍّ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ الْمُرَكَّبِ مِنْ قَبِيلِ اسْتِعْمَالِ الْخَبَرِ فِي الْإِنْشَاءِ وَالِاسْتِفْهَامِ فِي التَّوْبِيخِ وَنَحْوِ ذَلِكَ الَّذِي قَالَ فِيهِ التفتازانيّ فِي «الْمُطَوَّلِ» : إِنَّ بَيَانَ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ هُوَ مِمَّا لَمْ يَحُمْ أَحَدٌ حَوْلَهُ. وَالَّذِي تَصَدَّى السَّيِّدُ الشَّرِيفُ لِبَيَانِهِ بِمَا لَا يُبْقِي فِيهِ شُبْهَةً.
فَهَذَا الْكَلَامُ مَسُوقٌ مَسَاقَ نَقْلِ الْأَقْوَالِ الْمُسْتَغْرَبَةِ الْمُضْطَرِبَةِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ ثَبَاتِ آرَاءِ أَصْحَابِهَا، فَهُوَ مِنَ الْحِكَايَةِ لِمَا كَانُوا يَعِدُونَ بِهِ فَهُوَ حِكَايَةٌ بِالْمَعْنَى كَأَنَّهُ قِيلَ: كُنْتُمْ تَقُولُونَ لَا نَتْرُكُ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ حَتَّى تَأْتِيَنَا الْبَيِّنَةُ، وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالتَّوْبِيخِ بِأُسْلُوبِ الْإِخْبَارِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي إِنْشَاءِ التَّعْجِيبِ أَوِ الشِّكَايَةِ مِنْ صَلَفِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ عَزِيزٌ بَدِيعٌ وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ [التَّوْبَة: 64] إِذْ عَبَّرَ بِصِيغَةِ يَحْذَرُ وَهُمْ إِنَّمَا تَظَاهَرُوا بِالْحَذَرِ وَلَمْ يَكُونُوا حَاذِرِينَ حَقًّا وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلِ اسْتَهْزِؤُا