الْحُدَّانِيِّ عَنْ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «قَامَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ بن عَليّ بعد مَا بَايَعَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ:
سَوَّدْتَ وُجُوهَ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ يَا مُسَوِّدَ وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: لَا تُؤَنِّبْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ فَإِنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى مِنْبَرِهِ فَسَاءَهُ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [الْكَوْثَرَ: 1] يَا مُحَمَّدُ يَعْنِي نَهرا فِي الْجَنَّةِ، وَنَزَلَتْ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [الْقدر: 1- 3] يَمْلِكُهَا بَنُو أُمَيَّةَ يَا مُحَمَّدُ قَالَ الْقَاسِمُ:
فَعَدَدْنَاهَا فَإِذَا هِيَ أَلْفُ شَهْرٍ لَا يزِيد يَوْم وَلَا يَنْقُصُ»
. قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ قِيلَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَازِنٍ نَعْرِفُهُ وَالْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ ثِقَةٌ وَيُوسُفُ بْنُ سَعْدٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ اهـ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي «تَفْسِيرِهِ» وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِم بن الْفَضْلِ عَنْ عِيسَى بْنِ مَازِنٍ كَذَا قَالَ، وَعِيسَى بْنُ مَازِنٍ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَهَذَا يَقْتَضِي اضْطِرَابًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، أَيْ لِاضْطِرَابِهِمْ فِي الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ، وَعَلَى كُلِّ احْتِمَالٍ فَهُوَ مَجْهُولٌ.
وَأَقُولُ: وَأَيْضًا لَيْسَ فِي سَنَدِهِ مَا يُفِيدُ أَنَّ يُوسُفَ بْنَ سَعْدٍ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَفِي «تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ» عَنْ عِيسَى بْنِ مَازِنٍ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَا مُسَوِّدَ وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. وَعِيسَى بْنُ مَازِنٍ غَيْرُ مَعْرُوفٍ أَصْلًا فَإِذَا فَرَضْنَا تَوْثِيقَ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ فَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ سَمِعَهُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ ذِكْرَ قِصَّةٍ
تُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ.
وَاتَّفَقَ حُذَّاقُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ كَثِيرٍ وَذَكَرَهُ عَنْ شَيْخِهِ الْمِزِّيِّ، وَأَقُولُ: هُوَ مُخْتَلُّ الْمَعْنَى وَسِمَاتُ الْوَضْعِ لَائِحَةٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ وَضْعِ أَهْلِ النِّحَلِ الْمُخَالِفَةِ لِلْجَمَاعَةِ فَالِاحْتِجَاجُ بِهِ لَا يَلِيقُ أَنْ يَصْدُرَ مِثْلُهُ عَنِ الْحَسَنِ مَعَ فَرْطِ عِلْمِهِ وَفِطْنَتِهِ، وَأَيَّةُ مُلَازَمَةٍ بَيْنَ مَا زَعَمُوهُ مِنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ دَفْعِ الْحَسَنِ التَّأْنِيبَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ وَضْعِ دُعَاةِ الْعَبَّاسِيِّينَ عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْوَاقِعِ لِأَنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي بَيْنَ تَسْلِيمِ الْحَسَنِ الْخِلَافَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ بَيْعَةِ السَّفَّاحِ وَهُوَ أَوَّلُ خُلَفَاءِ الْعَبَّاسِيَّةِ أَلْفُ شَهْرٍ وَاثْنَانِ وَتِسْعُونَ شَهْرًا أَوْ أَكْثَرُ بِشَهْرٍ أَوْ بِشَهْرَيْنِ فَمَا نُسِبَ إِلَى الْقَاسِمِ الْحُدَّانِيِّ مِنْ قَوْلِهِ:
فَعَدَدْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا إِلَخْ كَذِبٌ