وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «الدِّينُ» بِمَعْنَى الْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ كَقَوْلِهِ: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الْفَاتِحَة: 4] وَقَوْلِهِ: يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ [الانفطار: 15] وَتَكُونُ الْبَاءُ صِلَةَ (يُكَذِّبُ) كَقَوْلِهِ:
وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ [الْأَنْعَام: 66] وَقَوْلِهِ: قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ (?) [الْأَنْعَام: 57] .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ (مَا) مَوْصُولَة وَمَا صدقهَا المكذب، فَهِيَ بِمَعْنَى (مَنْ) ، وَهِيَ فِي مَحَلِّ مُبْتَدَأٍ، وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي يُكَذِّبُكَ عَائِدٌ إِلَى (مَا) وَهُوَ الرَّابِطُ لِلصِّلَةِ بِالْمَوْصُولِ، وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَي ينسبك إِلَى الْكَذِب بِسَبَبِ مَا جِئْتَ بِهِ مِنَ
الْإِسْلَامِ أَوْ مِنْ إِثْبَاتِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ.
وَحُذِفَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ بَعْدُ فَبُنِيَتْ بَعْدُ عَلَى الضَّمِّ وَالتَّقْدِيرُ: بَعْدَ تَبَيُّنِ الْحَقِّ أَوْ بَعْدَ تَبَيُّنِ مَا ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ مِنْ أَسْفَلِ سَافِلِينَ.
وَجُمْلَةُ: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ خَبَرًا عَنْ (مَا) وَالرَّابِطُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ فِيهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ دَلِيلًا عَلَى الْخَبَرِ الْمُخْبَرِ بِهِ عَنْ (مَا) الْمَوْصُولَةِ وَحُذِفَ إِيجَازًا اكْتِفَاءً بِذِكْرِ مَا هُوَ كَالْعِلَّةِ لَهُ فَالتَّقْدِيرُ فَالَّذِي يُكَذِّبُكَ بِالدِّينِ يَتَوَلَّى اللَّهُ الِانْتِصَافَ مِنْهُ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ.
وَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِيٌّ.
وَ «أَحْكَمُ» يَجُوزُ أَن يكون مأخودا مِنَ الْحُكْمِ، أَيْ أَقْضَى الْقُضَاةِ، وَمَعْنَى التَّفْضِيلِ أَنَّ حُكْمَهُ أَسَدُّ وَأَنْفَذُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنَ الْحِكْمَةِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ أَقْوَى الْحَاكِمِينَ حِكْمَةً فِي قَضَائِهِ بِحَيْثُ لَا يُخَالِطُ حُكْمَهُ تَفْرِيطٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَنَوْطُ الْخَبَرِ بِذِي وَصْفٍ يُؤْذِنُ بِمُرَاعَاةِ خَصَائِصِ الْمَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ الْوَصْفُ فَلَمَّا أَخْبَرَ عَنِ اللَّهِ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ، عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ يَفُوقُ قَضَاؤُهُ كُلَّ قَضَاءٍ فِي خَصَائِصِ الْقَضَاءِ وَكَمَالَاتِهِ، وَهِيَ: إِصَابَةُ الْحَقِّ، وَقَطْعُ دَابِرِ الْبَاطِلِ، وَإِلْزَامُ كُلِّ مَنْ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالِامْتِثَالِ لِقَضَائِهِ وَالدُّخُولِ تَحْتَ حُكْمِهِ.