وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ [الْأَحْزَاب: 35] وَهُوَ إِيجَازٌ لَفْظِيٌّ لِظُهُورِ الْمَحْذُوفِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: (فَآوَى) ، (فَهَدَى) ، (فَأَغْنَى) .
[4]
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (4)
عَطْفٌ عَلَى جملَة: وَالضُّحى [الضُّحَى: 1] فَهُوَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ بِهِ، وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمَلِ الِابْتِدَائِيَّةِ وَلَيْسَتْ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ جَوَابِ الْقَسَمِ بَلْ هِيَ ابْتِدَائِيَّةٌ فَلَمَّا نُفِيَ الْقِلَى بُشِّرَ بِأَنَّ آخِرَتَهُ خَيْرٌ مِنْ أُولَاهُ، وَأَنَّ عَاقِبَتَهُ أَحْسَنُ مِنْ بَدْأَتِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ خَاتِمٌ لَهُ بِأَفْضَل مِمَّا قد إِعْطَاء فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة.
وَمَا فِي تَعْرِيفِ «الْآخِرَةَ» والْأُولى مِنَ التَّعْمِيمِ يَجْعَلُ مَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي مَعْنَى التَّذْيِيلِ الشَّامِلِ لِاسْتِمْرَارِ الْوَحْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْخَيْرِ.
وَالْآخِرَةُ: مُؤَنَّثُ الْآخِرِ، والْأُولى: مُؤَنَّثُ الْأَوَّلِ، وَغَلَبَ لَفْظُ الْآخِرَةِ فِي اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ عَلَى الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ وَعَلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ كَمَا غَلَبَ لَفْظُ الْأُولَى عَلَى حَيَاةِ
النَّاسِ الَّتِي قَبْلَ انْخِرَامِ هَذَا الْعَالَمِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُنَا مِنْ كِلَا اللَّفْظَيْنِ كِلَا مَعْنَيَيْهِ فَيُفِيدُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْآخِرَةَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيَاةِ الْعَاجِلَةِ تَبْشِيرًا لَهُ بِالْخَيْرَاتِ الْأَبَدِيَّةِ، وَيُفِيدُ أَنَّ حَالَاتِهِ تَجْرِي عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ حَالَةٍ إِلَى أَحْسَنَ مِنْهَا، فَيَكُونُ تَأْنِيثُ الْوَصْفَيْنِ جَارِيًا عَلَى حَالَتَيِ التَّغْلِيبِ وَحَالَتَيِ التَّوْصِيفِ، وَيَكُونُ التَّأْنِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى الثَّانِي لِمُرَاعَاةِ معنى الْحَالة.
ويومىء ذَلِكَ إِلَى أَنَّ عَوْدَةَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَرَّةَ خَيْرٌ مِنَ الْعَوْدَةِ الَّتِي سَبَقَتْ، أَيْ تَكَفَّلَ اللَّهُ بِأَنْ لَا يَنْقَطِعَ عَنْهُ نُزُولُ الْوَحْيِ مِنْ بَعْدُ.
فَاللَّامُ فِي «الْآخِرَةُ» والْأُولى لَامُ الْجِنْسِ، أَيْ كُلُّ آجِلِ أَمْرِهِ هُوَ خَيْرٌ مِنْ عَاجِلِهِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا وَفِي الْأُخْرَى.
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لَكَ لَامُ الِاخْتِصَاصِ، أَيْ خَيْرٌ مُخْتَصٌّ بِكَ وَهُوَ شَامِلٌ لِكُلِّ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِنَفْسِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَاتِهِ وَفِي دِينِهِ وَفِي أُمَّتِهِ، فَهَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ بِأَنْ يَنْشُرَ دِينَ الْإِسْلَامِ وَأَنْ يُمَكِّنَ أُمَّتَهُ مِنَ الْخَيْرَاتِ الَّتِي يَأْمُلُهَا النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ. وَقَدْ