وَجُمْلَةُ يَتَزَكَّى حَال فِي ضَمِيرِ يُؤْتِي، وَفَائِدَةُ الْحَالِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ يُؤْتِي مَاله لقصد النَّفْعِ وَالزِّيَادَةِ مِنَ الثَّوَابِ تعريضا بالمشركين الَّذِي يُؤْتُونَ الْمَالَ لِلْفَخْرِ وَالرِّيَاءِ وَالْمَفَاسِدِ وَالْفُجُورِ.
وَالتَّزَكِّي: تَكَلُّفُ الزَّكَاءِ، وَهُوَ النَّمَاءُ مِنَ الْخَيْرِ.
وَالْمَالُ: اسْمُ جِنْسٍ لِمَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُ النَّاسِ مِنْ أَشْيَاءَ يَنْتَفِعُ بِذَاتِهَا أَوْ بِخَرَاجِهَا وَغَلَّتِهَا مِثْلَ الْأَنْعَامِ وَالْأَرْضِينَ وَالْآبَارِ الْخَاصَّةِ وَالْأَشْجَارِ الْمُخْتَصِّ بِهِ أَرْبَابُهَا.
وَيُطْلَقُ عِنْدَ بَعْضِ الْعَرَبِ مِثْلِ أَهْلِ يَثْرِبَ عَلَى النَّخِيلِ.
وَلَيْسَ فِي إِضَافَةِ اسْمِ الْجِنْسِ مَا يُفِيدُ الْعُمُومَ، فَلَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ آتَى جَمِيعَ مَالِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى الْآيَةَ اتَّفَقَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ مَقْصُودٍ بِهَذِهِ الصِّلَةِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا أَعْتَقَ بِلَالًا قَالَ الْمُشْرِكُونَ: مَا فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ إِلَّا لِيَدٍ كَانَتْ لِبِلَالٍ عِنْدَهُ. وَهُوَ قَوْلٌ مِنْ بُهْتَانِهِمْ (يُعَلِّلُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ كَرَاهِيَةً
لِأَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ فَعَلَ ذَلِكَ مَحَبَّةً لِلْمُسْلِمِينَ) ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَكْذِيبَهُمْ بِقَوْلِهِ: وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى مُرَادًا بِهِ بَعْضُ مَنْ شَمِلَهُ عُمُومُ الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى، وَهَذَا شَبِيهٌ بِذِكْرِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ وَهُوَ لَا يخصص للْعُمُوم وَلَكِنَّ هَذِهِ لَمَّا كَانَتْ حَالَةً غَيْرَ كَثِيرَةٍ فِي أَسْبَابِ إِيتَاءِ الْمَالِ تَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا حَالَةٌ خَاصَّةٌ مَعْرُوفَةٌ بِخِلَافِ نَحْوِ قَوْلِهِ: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى [الْبَقَرَة: 177] ، وَقَوْلِهِ: إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً [الْإِنْسَان: 9] .
وعِنْدَهُ ظَرْفُ مَكَانٍ وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ هُنَا مَجَازًا فِي تَمَكُّنِ الْمَعْنَى مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ عَنْهُ كَتَمَكُّنِ الْكَائِنِ فِي الْمَكَانِ الْقَرِيبِ، قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:
مَنْ لَنَا عِنْدَهُ مِنَ الْخَيْرِ آيَا ... تٌ ثَلَاثٌ فِي كُلِّهِنَّ الْقَضَاءُ
ومِنْ نِعْمَةٍ اسْمُ مَا النَّافِيَةِ جُرَّ بِ مِنْ الزَّائِدَةِ الَّتِي تُزَادُ فِي النَّفْيِ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ مُنْقَطِعٌ، أَيْ لَكِنِ ابْتِغَاءً لِوَجْهِ اللَّهِ.