بِهِ أَنَّ الْقِصَّةَ مِمَّا تَشْمَلُهُ الْآيَةُ.
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَمْ مِنْ عِذْقٍ رَدَاحٍ فِي الْجَنَّةِ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ»
وَلَمَّحَ إِلَيْهَا بَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ فِي قَوْلِهِ:
إِنَّ النُّحَيْلَةَ إِذْ يَمِيلُ بِهَا الْهَوَى ... كَالْعِذْقِ مَالَ عَلَى أبي الدحداح
[12، 13]
إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (12) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (13)
اسْتِئْنَافٌ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِ الْكَلَامِ السَّابِقِ مِنْ قَوْلِهِ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى إِلَى قَوْله:
لِلْعُسْرى [اللَّيْل: 5- 10] ، وَذَلِكَ لِإِلْقَاءِ التَّبِعَةِ عَلَى مَنْ صَارَ إِلَى الْعُسْرَى بِأَنَّ اللَّهُ أَعْذَرَ إِلَيْهِ إِذْ هَدَاهُ بِدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْخَيْرِ فَأَعْرَضَ عَنِ الِاهْتِدَاءِ بِاخْتِيَارِهِ اكْتِسَابَ السَّيِّئَاتِ، فَإِنَّ التَّيْسِيرَ لِلْيُسْرَى يَحْصُلُ عِنْدَ مَيْلِ الْعَبْدِ إِلَى عَمَلِ الْحَسَنَاتِ، وَالتَّيْسِيرَ لِلْعُسْرَى يَحْصُلُ عِنْدَ مَيْلِهِ إِلَى عَمَلِ السَّيِّئَاتِ. وَذَلِكَ الْمَيْلُ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْكَسْبِ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ، وَسَمَّاهُ الْمُعْتَزِلَةُ: قُدْرَةَ الْعَبْدِ، وَهُوَ أَيْضًا الَّذِي اشْتَبَهَ عَلَى الْجَبْرِيَّةِ فَسَمَّوْهُ الْجَبْرَ.
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ إِنَّ وَلَام الِابْتِدَاء يومىء إِلَى أَنَّ هَذَا كَالْجَوَابِ عَمَّا يَجِيشُ فِي نُفُوسِ أَهْلِ الضَّلَالِ عِنْدَ سَمَاعِ الْإِنْذَارِ السَّابِقِ مِنْ تَكْذِيبِهِ بِأَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ مِنْهُمْ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ لَأَلْجَأَهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ. فَقَدْ حُكِيَ عَنْهُمْ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ مَا عَبَدْناهُمْ [الزخرف: 20] .
وَحَرْفُ (عَلَى) إِذَا وَقَعَ بَيْنَ اسْمٍ وَمَا يَدُلُّ عَلَى فِعْلٍ يُفِيدُ مَعْنَى اللُّزُومِ، أَيْ لَازِمٌ لَنَا هُدَى النَّاسِ، وَهَذَا الْتِزَامٌ مِنَ اللَّهِ اقْتَضَاهُ فَضْلُهُ وَحِكْمَتُهُ فَتَوَلَّى إِرْشَادَ النَّاسِ إِلَى الْخَيْرِ قَبْلَ أَنْ يُؤَاخِذَهُمْ بِسُوءِ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي هِيَ فَسَادٌ فِيمَا صَنَعَ اللَّهُ مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْأَنْظِمَةِ الَّتِي أَقَامَ عَلَيْهَا فِطْرَةَ نِظَامِ الْعَالَمِ، فَهَدَى اللَّهُ الْإِنْسَانَ بِأَنْ خَلَقَهُ قَابِلًا لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ ثُمَّ عَزَّزَ ذَلِكَ بِأَنْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رُسُلًا مُبَيِّنِينَ لِمَا قَدْ يَخْفَى أَمْرُهُ مِنَ الْأَفْعَالِ أَوْ يَشْتَبِهُ عَلَى النَّاسِ فَسَادُهُ بِصَلَاحِهِ وَمُنَبِّهِينَ النَّاسَ لِمَا قَدْ يَغْفُلُونَ عَنْهُ مِنْ سَابق مَا علموه.
وَعَطْفُ وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى عَلَى جُمْلَةِ: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى تَتْمِيمٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ تَعَهُّدَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ بِالْهُدَى فَضْلٌ مِنْهُ وَإِلَّا فَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ مِلْكُهُِِ