فَيَكُونُ الْمَعْنَى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا. ثُمَّ فُصِّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ: فَعَقَرُوها، وَالْعَقْرُ عِنْدَ انْبِعَاثِ أَشْقَاهَا، وَعَلَيْهِ فَلَا ضَرُورَةَ إِلَى اعْتِبَارِ الظَّرْفِ وَهُوَ: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها مُقَدَّمًا مِنْ تَأْخِيرٍ.
وَأُعِيدَتْ عَلَيْهِمْ ضَمَائِرُ الْجَمْعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ جَمْعٌ وَإِنْ كَانَتِ الضَّمَائِرُ قَبْلَهُ مُرَاعًى فِيهَا أَنَّ ثَمُودَ اسْمُ قَبِيلَةٍ.
وَانْتَصَبَ ناقَةَ اللَّهِ عَلَى التَّحْذِيرِ، وَالتَّقْدِيرُ: احْذَرُوا نَاقَةَ اللَّهِ. وَالْمُرَادُ: التَّحْذِيرُ مِنْ أَنْ يُؤْذُوهَا، فَالْكَلَامُ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالذَّوَاتِ، وَالْمُرَادُ: أَحْوَالُهَا.
وَإِضَافَةُ ناقَةَ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ لِأَنَّهَا آيَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَى صِدْقِ رِسَالَةِ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلِأَنَّ خُرُوجَهَا لَهُمْ كَانَ خَارِقًا لِلْعَادَةِ.
وَالسُّقْيَا: اسْمُ مَصْدَرِ سَقَى، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى التَّحْذِيرِ، أَيِ احْذَرُوا سَقْيَهَا، أَيِ احْذَرُوا غَصْبَ سَقْيِهَا، فَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَوْ أُطْلِقَ السُّقْيَا عَلَى الْمَاءِ الَّذِي تُسْقَى مِنْهُ إِطْلَاقًا لِلْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ فَيَرْجِعُ إِلَى إِضَافَةِ الْحُكْمِ إِلَى الذَّاتِ. وَالْمُرَادُ: حَالَةٌ تُعْرَفُ مِنَ الْمَقَامِ، فَإِنَّ مَادَّةَ سُقْيَا تُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُرَادَ التَّحْذِيرُ مِنْ أَنْ يَسْقُوا إِبِلَهُمْ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي فِي يَوْمِ نَوْبَتِهَا.
وَالتَّكْذِيبُ الْمُعَقَّبُ بِهِ تَحْذِيرُهُ إِيَّاهُمْ بِقَوْلِهِ: ناقَةَ اللَّهِ، تَكْذِيبٌ ثَانٍ وَهُوَ تَكْذِيبُهُمْ بِمَا اقْتَضَاهُ التَّحْذِيرُ مِنَ الْوَعِيدِ. وَالْإِنْذَارِ بِالْعَذَابِ إِنْ لَمْ يَحْذَرُوا الِاعْتِدَاءَ عَلَى تِلْكَ النَّاقَةِ، وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي آيَةِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ [73] فِي قَوْلِهِ: وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ اسْتَقَامَ التَّعْبِيرُ عَنْ مُقَابَلَةِ التَّحْذِيرِ بِالتَّكْذِيبِ مَعَ أَنَّ التَّحْذِيرَ إِنْشَاءٌ، فَالتَّكْذِيبُ إِنَّمَا يَتَوَجَّهُ إِلَى مَا فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الْإِنْذَارِ بِالْعَذَابِ.
وَالْعَقْرُ: جَرْحُ الْبَعِيرِ فِي يَدَيْهِ لِيَبْرُكَ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْأَلَمِ فَيُنْحَرَ فِي لَبَّتِهِ، فَالْعَقْرُ
كِنَايَةٌ مَشْهُورَةٌ عَنِ النَّحْرِ لِتَلَازُمِهِمَا.