وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِذِي حِجْرٍ لَامُ التَّعْلِيلِ، أَيْ قَسَمٌ لِأَجْلِ ذِي عَقْلٍ يَمْنَعُهُ مِنَ الْمُكَابَرَةِ فَيَعْلَمُ أَنَّ الْمُقْسِمَ بِهَذَا الْقَسَمِ صَادِقٌ فِيمَا أقسم عَلَيْهِ.

[6- 14]

[سُورَة الْفجْر (89) : الْآيَات 6 إِلَى 14]

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (6) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (10)

الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (14)

لَا يَصْلُحُ هَذَا أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلْقَسَمِ وَلَكِنَّهُ: إِمَّا دَلِيلُ الْجَوَابِ إِذْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ مَا فُعِلَ بِهَذِهِ الْأُمَمِ الثَّلَاثِ وَهُوَ الِاسْتِئْصَالُ الدَّالُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:

فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ، فَتَقْدِيرُ الْجَوَابِ لَيَصُبَّنَّ رَبُّكَ عَلَى مُكَذِّبِيكَ سَوْطَ عَذَابٍ كَمَا صَبَّ عَلَى عَادٍ وَثَمُودَ وَفِرْعَوْنَ.

وَإِمَّا تَمْهِيدٌ لِلْجَوَابِ وَمُقَدِّمَةٌ لَهُ إِنْ جَعَلْتَ الْجَوَابَ قَوْلَهُ: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ وَمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ اعْتِرَاضٌ جُعِلَ كَمُقَدِّمَةٍ لِجَوَابِ الْقَسَمِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ لِلْمُكَذِّبِينَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ، فَيَكُونُ تَثْبِيتًا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقَوْلِهِ: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ [إِبْرَاهِيم: 42] .

فَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ تَقْرِيرِيٌّ، وَالْمُخَاطَبُ بِهِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَثْبِيتًا لَهُ وَوَعْدًا بِالنَّصْرِ، وَتَعْرِيضًا لِلْمُعَانِدِينَ بِالْإِنْذَارِ بِمِثْلِهِ فَإِنَّ مَا فُعِلَ بِهَذِهِ الْأُمَمِ الثَّلَاثِ مَوْعِظَةٌ وَإِنْذَارٌ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ فَعَلُوا مِثْلَ فِعْلِهِمْ مِنْ تَكْذِيبِ رُسُلِ اللَّهِ قُصِدَ مِنْهُ تَقْرِيبُ وُقُوعِ ذَلِكَ وَتَوَقُّعُ حُلُولِهِ. لِأَنَّ التَّذْكِيرَ بِالنَّظَائِرِ وَاسْتِحْضَارَ الْأَمْثَالِ يُقَرِّبُ إِلَى الْأَذْهَانِ الْأَمْرَ الْغَرِيبَ الْوُقُوعِ،

لِأَنَّ بُعْدَ الْعَهْدِ بِحُدُوثِ أَمْثَالِهِ يُنْسِيهِ النَّاسَ، وَإِذَا نُسِيَ اسْتَبْعَدَ النَّاسُ وُقُوعَهُ، فَالتَّذْكِيرُ يُزِيلُ الِاسْتِبْعَادَ.

فَهَذِهِ الْعِبَرُ جُزْئِيَّاتٌ مِنْ مَضْمُونِ جَوَابِ الْقَسَمِ، فَإِنْ كَانَ مَحْذُوفًا فَذِكْرُهَا دَلِيلُهُ، وَإِنْ كَانَ الْجَوَابُ قَوْلُهُ: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ كَانَ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْجَوَابِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015