مَوَاقِيتُهَا بِمَا أَدْخَلَهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى السَّنَةِ الْقَمَرِيَّةِ مِنَ النَّسِيءِ فَاضْطَرَبَتِ السِّنِينُ الْمُقَدَّسَةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَلَا يُعْرَفُ مَتَى بَدَأَ ذَلِكَ الِاضْطِرَابُ، وَلَا مَقَادِيرُ مَا أُدْخِلَ عَلَيْهَا مِنَ النَّسِيءِ، وَلَا مَا يَضْبُطُ أَيَّامَ النَّسِيءِ فِي كُلِّ عَامٍ لِاخْتِلَافِ اصْطِلَاحِهِمْ فِي ذَلِكَ وَعَدَمِ ضَبْطِهِ فَبِذَلِكَ يَتَعَذَّرُ تَعْيِينُ اللَّيَالِي الْعَشْرِ الْمَأْمُورِ بِهَا مِنْ جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَكِنَّنَا نُوقِنُ بوجودها فِي خِلَالِ السّنة إِلَى أَو أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيئِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَنَةِ عَشْرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، بِأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَافَقَتْ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ السَّنَةُ فِي عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
فَقَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقِ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» .
وَهَذَا التَّغْيِيرُ لَا يَرْفَعُ بَرَكَةَ الْأَيَّامِ الْجَارِيَةِ فِيهَا الْمَنَاسِكُ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِأَنَّ اللَّهَ عَظَّمَهَا لِأَجْلِ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ إِذْ هُوَ عِبَادَةٌ لِلَّهِ خَاصَّةً.
فَأَوْقَاتُ الْعِبَادَاتِ تَعْيِينٌ لِإِيقَاعِ الْعِبَادَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّ لِلْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لِإِيقَاعِهَا حِكْمَةً عَلِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلِذَلِكَ غَلَبَ فِي عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْأُصُولِ إِطْلَاقُ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْوَقْتِ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِالسَّبَبِ الْمُعَرَّفَ بِالْحُكْمِ وَلَا يُرِيدُونَ بِهِ نَفْسَ الْحِكْمَةِ.
وَتَعْيِينُ الْأَوْقَاتِ لِلْعِبَادَاتِ مِمَّا انْفَرَدَ اللَّهُ بِهِ، فَلِأَوْقَاتِ الْعِبَادَاتِ حُرُمَاتٌ بِالْجَعْلِ الرَّبَّانِيِّ، وَلَكِن إِذا اختلت أَوِ اخْتَلَطَتْ لَمْ يَكُنِ اخْتِلَالُهَا أَوِ اخْتِلَاطُهَا بِقَاضٍ بِسُقُوطِ الْعِبَادَاتِ الْمُعَيَّنَةِ لَهَا.
فَقَسَمُ اللَّهِ تَعَالَى بِاللَّيَالِي الْعَشْرِ فِي هَذِهِ مِمَّا نَزَلَ بِمَكَّةَ قَسَمٌ بِمَا فِي عِلْمِهِ مِنْ تَعْيِينِهَا فِي عِلْمِهِ.
والشَّفْعِ: مَا يَكُونُ ثَانِيًا لِغَيْرِهِ، والْوَتْرِ: الشَّيْءُ الْمُفْرَدُ، وَهُمَا صِفَتَانِ لِمَحْذُوفٍ،
فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ الشَّفْعَ يَوْمُ النَّحْرِ
ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَاشِرُ ذِي الْحِجَّةِ وَمُنَاسَبَةُ الِابْتِدَاءِ بِالشَّفْعِ أَنَّهُ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ فَنَاسَبَ قَوْلَهُ: وَلَيالٍ عَشْرٍ، وَأَنَّ الْوَتْرَ يَوْمُ عَرَفَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالنَّسَائِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا، وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ فَذِكْرُ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ تَخْصِيصٌ لِهَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ بِالذِّكْرِ لِلِاهْتِمَامِ، بَعْدَ شُمُولِ اللَّيَالِي الْعَشْرِ لَهُمَا.