وَمَعْنَى بِما يُوعُونَ بِمَا يُضْمِرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْعِنَادِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ حَقٌّ وَلَكِنَّهُمْ يُظْهِرُونَ التَّكْذِيبَ بِهِ لِيَكُونَ صُدُودُهُمْ عَنْهُ مَقْبُولًا عِنْدَ أَتْبَاعِهِمْ وَبَيْنَ مُجَاوِرِيهِمْ.
وَأَصْلُ مَعْنَى الْإِيعَاءِ: جَعْلُ الشَّيْءِ وِعَاءً الْوِعَاء بِكَسْرِ الْوَاوِ الظَّرْفُ لِأَنَّهُ يُجْمَعُ فِيهِ، ثُمَّ شَاعَ إِطْلَاقُهُ عَلَى جَمْعِ الْأَشْيَاءِ لِئَلَّا تَفُوتَ فَصَارَ مُشْعِرًا بِالتَّقْتِيرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَجَمَعَ فَأَوْعى [المعارج: 18]
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ»
وَاسْتُعْمِلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْإِخْفَاءِ لِأَنَّ الْإِيعَاءَ يَسْتَلْزِمُ الْإِخْفَاءَ فَهُوَ هُنَا مجَاز مُرْسل.
[24]
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (24)
تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ [الانشقاق: 22] .
وَفِعْلُ «بَشِّرْهُمْ» مُسْتَعَارٌ لِلْإِنْذَارِ وَالْوَعِيدِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّهَكُّمِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّبْشِيرِ:
الْإِخْبَارُ بِمَا يَسُرُّ وَيَنْفَعُ. فَلَمَّا عُلِّقَ بِالْفِعْلِ عَذَابٌ أَلِيمٌ كَانَتْ قَرِينَةُ التَّهَكُّمِ كَنَارٍ عَلَى عَلَمٍ.
وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:
قَرَيْنَاكُمْ فَعَجَّلْنَا قِرَاكُمْ ... قُبَيْلَ الصُّبْحِ مرداة طحونا
[25]
[سُورَة الانشقاق (84) : آيَة 25]
إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا: إِمَّا عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ [الانشقاق: 19] جَرْيًا عَلَى تَأْوِيلِهِ بِرُكُوبِ طِبَاقِ الشَّدَائِدِ وَالْأَهْوَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنَ التَّهْدِيدِ.
وَإِمَّا عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ ضَمِيرِ الْجَمْعِ فِي «فبشرهم» [الانشقاق: 24] وَالْمَعْنَى إِلَّا الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ مِنَ الَّذِينَ هُمْ مُشْرِكُونَ الْآنَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا [الْبَقَرَة: 160] وَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْبُرُوجِ [10] : إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا