وَمَوْقِعُ عَنْ طَبَقٍ مَوْقِعُ النَّعْتِ لِ طَبَقاً وَمَعْنَى عَنْ إِمَّا الْمُجَاوزَة، وَإِمَّا مُرَادِفَةٌ مَعْنَى (بَعْدَ) وَهُوَ مجَاز ناشىء عَنْ مَعْنَى الْمُجَاوزَة، وَلذَلِك لما ضَمَّنَ النَّابِغَةُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: «وَرِثُوا الْمَجْدَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ» غَيَّرَ حَرْفَ
(عَنْ) إِلَى كَلِمَةَ (بَعْدَ) فَقَالَ:
لِآلِ الْجِلَاحِ كَابِرًا بَعْدَ كَابِرٍ وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ لَتَرْكَبُنَّ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى خِطَابِ النَّاسِ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْإِنْسَانِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ [الانشقاق: 6] . وَحُمِلَ أَيْضًا عَلَى أَنَّ التَّاءَ الْفَوْقِيَّةَ تَاءُ الْمُؤَنَّثَةِ الْغَائِبَةِ وَأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى السَّمَاءِ، أَيْ تَعْتَرِيهَا أَحْوَالٌ مُتَعَاقِبَةٌ مِنَ الِانْشِقَاقِ وَالطَّيِّ وَكَوْنُهَا مَرَّةً كَالدِّهَانِ وَمَرَّةً كَالْمُهْلِ. وَقِيلَ: خِطَابٌ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قِيلَ: هِيَ عِدَةٌ بِالنَّصْرِ، أَيْ لَتَرْكَبُنَّ أَمْرَ الْعَرَبِ قَبِيلًا بَعْدَ قَبِيلٍ وَفَتْحًا بَعْدَ فَتْحٍ كَمَا وُجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ (أَيْ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ حِينَ قَوِيَ جَانِبُ الْمُسْلِمِينَ) فَيَكُونُ بِشَارَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةً بِالْفَاءِ بَيْنَ جُمْلَةِ: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ [الانشقاق: 14] وَجُمْلَةِ: فَما لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [الانشقاق:
20] . وَهَذَا الْوَجْهُ يَجْرِي عَلَى كلتا الْقِرَاءَتَيْن.
[20، 21]
فَما لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21)
وَيجوز أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيعُ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَحْوَالِ مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَأُعِيدَ عَلَيْهِ ضَمِيرُ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِ (مَنْ) الْمَوْصُولَةِ كُلُّ مَنْ تَحِقُّ فِيهِ الصِّلَةُ فَجَرَى الضَّمِيرُ عَلَى مَدْلُولِ (مَنْ) وَهُوَ الْجَمَاعَةُ. وَالْمَعْنَى: فَمَا لَهُمْ لَا يَخَافُونَ أَهْوَالَ يَوْمِ لِقَاءِ اللَّهِ فَيُؤْمِنُوا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق: 6] ، أَيْ إِذَا تَحَقَّقْتَ ذَلِكَ فَكَيْفَ لَا يُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ الَّذِينَ أَنْكَرُوهُ. وَجِيءَ بِضَمِيرِ الْغَيْبَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ من الْإِنْكَار والتعجيب خُصُوصُ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ