يَحُورُ، إِذَا رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى حَالَةٍ كَانَ فِيهَا بَعْدَ أَنْ فَارَقَهَا، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَهُوَ مِنَ الْمجَاز الشَّائِع مثل إِطْلَاقِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ [يُونُس: 23] وَقَوْلِهِ: إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ [الطارق: 8] وَسُمِّيَ يَوْمُ الْبَعْثِ يَوْمَ الْمَعَادِ.

وَجِيءَ بِحَرْفِ لَنْ الدَّالِّ عَلَى تَأْكِيدِ النَّفْيِ وَتَأْيِيدِهِ لِحِكَايَةِ جَزْمِهِمْ وَقَطْعِهِمْ بِنَفْيِهِ.

وَحَرْفُ بَلى يُجَابُ بِهِ الْكَلَامُ الْمَنْفِيُّ لِإِبْطَالِ نَفْيِهِ وَأَكْثَرُ وُقُوعِهِ بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ عَنِ النَّفْيِ نَحْوَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الْأَعْرَاف: 172] وَيَقَعُ بَعْدَ غَيْرِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْضًا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ [التغابن: 7] .

وَمَوْقِعُ بَلى الِاسْتِئْنَافُ كَأَحْرُفِ الْجَوَابِ.

وَجُمْلَةُ: إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً مُبَيِّنَةٌ لِلْإِبْطَالِ الَّذِي أَفَادَهُ حَرْفُ بَلى عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ يَعْنِي أَنَّ ظَنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ رَبَّهُ أَنْبَأَهُ بِأَنَّهُ يُبْعَثُ.

وَالْمَعْنَى: إِنَّ رَبَّهُ عَلِيمٌ بِمَآلِهِ. وَتَأْكِيدُ ذَلِكَ بِحَرْفِ إِنَّ لِرَدِّهِ إِنْكَارَهُ الْبَعْثَ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآلَ الْمَعْنَى الْحَاصِلُ مِنْ حَرْفِ الْإِبْطَالِ وَمِنْ حَرْفِ التَّأْكِيدِ إِلَى مَعْنَى: أَنَّ رَبَّهُ بَصِيرٌ بِهِ وَأَمَّا هُوَ فَغَيْرُ بَصِيرٍ بِحَالِهِ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [الْبَقَرَة: 216] .

وَتَعْدِيَةُ بَصِيراً بِالْبَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ بَصُرَ الْقَاصِرِ بِضَمِّ الصَّادِ بِهِ إِذَا رَآهُ رُؤْيَةً مُحَقَّقَةً، فَالْبَاءُ فِيهِ مَعْنَاهَا الْمُلَابَسَةُ أَوِ الْإِلْصَاقُ.

وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى حِكْمَةِ الْبَعْثِ لِلْجَزَاءِ لِأَنَّ رَبَّ النَّاسِ عَلِيمٌ بِأَحْوَالِهِمْ فَمِنْهُمُ الْمُصْلِحُ وَمِنْهُمُ الْمُفْسِدُ وَالْكُلُّ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ الْحِكْمَةِ أَنْ يَذْهَبَ الْمُفْسِدُ بِفَسَادِهِ وَمَا أَلْحَقَهُ بِالْمَوْجُودَاتِ مِنْ مَضَارَّ وَأَنْ يُهْمَلَ صَلَاحُ الْمُصْلِحِ، فَجَعَلَ اللَّهُ الْحَيَاةَ الْأَبَدِيَّةَ وَجَعَلَهَا لِلْجَزَاءِ عَلَى مَا قَدَّمَ صَاحِبُهَا فِي حَيَاتِهِ الْأُولَى.

وَأُطْلِقَ الْبَصَرُ هُنَا عَلَى الْعِلْمِ التَّامِّ بِالشَّيْءِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015