فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ مَا سَعى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغى (37) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38)
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41)
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيعُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ [النازعات: 27] الْآيَاتِ، فَإِنَّ إِثْبَاتَ الْبَعْثِ يَقْتَضِي الْجَزَاءَ إِذْ هُوَ حِكْمَتُهُ. وَإِذَا اقْتَضَى الْجَزَاءَ كَانَ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَعْمَلَ لِجَزَاءِ الْحُسْنَى وَيَجْتَنِبَ مَا يُوقِعُ فِي الشَّقَاءِ وَأَنْ يَهْتَمَّ بِالْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ فَيُؤْثِرَهَا وَلَا يَكْتَرِثَ بِنَعِيمٍ زَائِلٍ فَيَتَوَرَّطَ فِي اتِّبَاعِهِ، فَلِذَلِكَ فُرِّعَ عَلَى دَلِيلِ إِثْبَاتِ الْبَعْثِ تَذْكِيرٌ بِالْجَزَاءَيْنِ، وَإِرْشَادٌ إِلَى النَّجْدَيْنِ.
وَإِذْ قَدْ قُدِّمَ قَبْلَ الِاسْتِدْلَالِ تَحْذِيرٌ إِجْمَالِيٌّ بِقَوْلِهِ: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ [النازعات: 6] الْآيَةَ كَمَا يُذْكَرُ الْمَطْلُوبُ قَبْلَ الْقِيَاسِ فِي الْجَدَلِ، جِيءَ عَقِبَ الِاسْتِدْلَالِ بِتَفْصِيلِ ذَلِكَ التَّحْذِيرِ مَعَ قَرْنِهِ بِالتَّبْشِيرِ لِمَنْ تَحَلَّى بِضِدِّهِ فَلِذَلِكَ عُبِّرَ عَنِ الْبَعْثِ ابْتِدَاءً بِالرَّاجِفَةِ لِأَنَّهَا مَبْدَؤُهُ، ثُمَّ بِالزَّجْرَةِ، وَأَخِيرًا بِالطَّامَّةِ الْكُبْرَى لِمَا فِي هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ مِنْ مَعْنًى يَشْمَلُ الرَّاجِفَةَ
وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْأَهْوَالِ إِلَى أَنْ يَسْتَقِرَّ كُلُّ فَرِيقٍ فِي مَقَرِّهِ.
وَمِنْ تَمَامِ الْمُنَاسَبَةِ لِلتَّذْكِيرِ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ وُقُوعُهُ عَقِبَ التَّذْكِيرِ بِخَلْقِ الْأَرْضِ، وَالِامْتِنَانُ بِمَا هَيَّأَ مِنْهَا لِلْإِنْسَانِ مَتَاعًا بِهِ، لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ ذَلِك يَنْتَهِي عِنْد مَا يَحِينُ يَوْمُ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلِهِ: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [النازعات: 13، 14] فَإِنَّ الطَّامَّةَ هِيَ الزَّجْرَةُ.
وَمَنَاطُ التَّفْرِيعِ هُوَ مَا عَقَّبَهُ مِنَ التَّفْصِيلِ بِقَوْلِهِ: فَأَمَّا مَنْ طَغى إِلَخْ إِذْ لَا يَلْتَئِمُ تَفْرِيعُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ.
(وَإِذا) ظَرْفٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ فَلِذَلِكَ إِذَا وَقَعَ بَعْدَ الْفِعْلِ الْمَاضِي صُرِفَ إِلَى