وَالْبَعْدِيَّةُ ظَاهِرُهَا: تَأَخُّرُ زَمَانِ حُصُولِ الْفِعْلِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ أَظْهَرُ فِي الدِّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ خُلِقَتْ بَعْدَ السَّمَاوَاتِ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَمُقَاتِلٍ وَالسُّدِّيِّ، وَهُوَ الَّذِي تُؤَيِّدُهُ أَدِلَّةُ عِلْمِ الْهَيْئَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [29] ، وَمَا وَرَدَ مِنَ الْآيَاتِ مِمَّا ظَاهِرُهُ كَظَاهِرِ آيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ تَأْوِيلُهُ وَاضِحٌ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَعْدِيَّةُ مَجَازًا فِي نُزُولِ رُتْبَةِ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ بَعْدَ عَنْ رُتْبَةِ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ [الْقَلَم: 13] .

وَجُمْلَةُ أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ دَحاها لِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ دَحْوِهَا بِمُقْتَضَى مَا يُكَمِّلُ تَيْسِيرَ الِانْتِفَاعِ بِهَا.

وَلَا يَصِحُّ جَعْلُ جُمْلَةَ أَخْرَجَ مِنْها ماءَها إِلَى آخِرِهَا بَيَانًا لِجُمْلَةِ دَحاها

لِاخْتِلَافِ مَعْنَى الْفِعْلَيْنِ.

وَالْمَرْعَى: مَفْعَلٌ مِنْ رَعَى يَرْعَى، وَهْوَ هُنَا مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ أُطْلِقَ عَلَى الْمَفْعُولِ كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ، أَيْ أَخْرَجَ مِنْهَا مَا يُرْعَى.

وَالرَّعْيُ: حَقَيْقَتُهُ تَنَاوُلُ الْمَاشِيَةِ الْكَلَأَ وَالْحَشِيشَ وَالْقَصِيلَ.

فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَرْعَى اكْتِفَاءٌ عَنْ ذِكْرِ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ مِنَ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَرْعَى يَدُلُّ عَلَى لُطْفِ اللَّهِ بِالْعَجْمَاوَاتِ فَيُعْرَفُ مِنْهُ أَنَّ اللُّطْفَ بِالْإِنْسَانِ أَحْرَى بِدِلَالَةِ فَحْوَى الْخِطَابِ، وَالْقَرِينَةُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ [النازعات: 33] .

وَقَدْ دَلَّ بِذِكْرِ الْمَاءِ وَالْمَرْعَى عَلَى جَمِيعِ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ قُوتًا لِلنَّاسِ وَلِلْحَيَوَانِ حَتَّى مَا تُعَالَجُ بِهِ الْأَطْعِمَةُ مِنْ حَطَبٍ لِلطَّبْخِ فَإِنَّهُ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ، وَحَتَّى الْمِلْحُ فَإِنَّهُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي عَلَى الْأَرْضِ.

وَنَصْبُ وَالْجِبالَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَرِيقَةِ نَصْبِ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى ماءَها وَمَرْعاها وَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَأَخْرَجَ مِنْهَا جِبَالَهَا، فَتَكُونُ (الْ) عِوَضًا عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مِثْلَ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى [النازعات: 41] أَيْ مَأْوَى مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ فَإِنَّ الْجِبَالَ قِطَعٌ مِنَ الْأَرْضِ نَاتِئَةٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015