وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر: 68] فَهِيَ ثَانِيَةٌ لِلَّتِي قَبْلَهَا، وَهِيَ الرَّادِفَةُ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا آنِفًا وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِكَوْنِهَا وَاحِدَةً أَنَّهَا لَا تُتْبَعُ بِثَانِيَةٍ لَهَا، وَقَدْ وُصِفَتْ بِوَاحِدَة فِي صُورَة الْحَاقَّةِ بِهَذَا الِاعْتِبَار.
و (الساهرة) : الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا يُخْتَارُ مِثْلُهَا لِاجْتِمَاعِ الْجُمُوعِ وَوَضْعِ الْمَغَانِمِ. وَأُرِيدَ بِهَا أَرْضٌ يَجْعَلُهَا اللَّهُ لِجَمْعِ النَّاسِ لِلْحَشْرِ.
وَالْإِتْيَانُ بِ (إِذَا) الْفُجَائِيَّةِ لِلدِّلَالَةِ عَلَى سُرْعَةِ حُضُورِهِمْ بِهَذَا الْمَكَانِ عَقِبَ الْبَعْثِ.
وَعَطْفُهَا بِالْفَاءِ لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي أَفَادَتْهُ (إِذَا) لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُفَاجَأَةِ وَالتَّفْرِيعِ أَشَدُّ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ السُّرْعَةِ مَعَ إِيجَازِ اللَّفْظِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِأَمْرِ التَّكْوِينِ بِخَلْقِ أَجْسَادٍ تَحِلُّ فِيهَا الْأَرْوَاحُ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا فَتَحْضُرُ فِي مَوْقِفِ الْحَشْرِ لِلْحسابِ بِسُرْعَة.
[15- 19]
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (15) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (16) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (19)
هَذِهِ الْآيَةُ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ [النازعات: 13] وَبَيْنَ جُمْلَةِ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً [النازعات: 27] الَّذِي هُوَ الْحُجَّةُ عَلَى إِثْبَاتِ الْبَعْثِ ثُمَّ الْإِنْذَارُ بِمَا بَعْدَهُ
دَعَتْ إِلَى اسْتِطْرَادِهِ مُنَاسَبَةُ التَّهْدِيدِ لِمُنْكِرِي مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَعْثِ لِتَمَاثُلِ حَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي طُغْيَانِهِمْ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَالِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ وَتَمَاثُلِ حَالِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْمِهِ بِحَالِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ فِرْعَوْنَ لِيَحْصُلَ مِنْ ذِكْرِ قِصَّةِ مُوسَى تَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ وَأَئِمَّتِهِمْ مِثْلَ أَبِي جَهْلٍ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَأَضْرَابِهِمَا لِقَوْلِهِ فِي آخِرِهَا إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى [النازعات: 26] .
وهَلْ أَتاكَ اسْتِفْهَامٌ صُورِيٌّ يُقْصَدُ مِنْ أَمْثَالِهِ تَشْوِيقُ السَّامِعِ إِلَى الْخَيْرِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى اسْتِعْلَامِ الْمُخَاطَبِ عَنْ سَابِقِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ الْخَبَرِ، فَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ