وَجَمْعُهُ هَنَا مُرَادٌ بِهِ الطُّولُ الْعَظِيمُ لِأَنَّ أَكْثَرَ اسْتِعْمَالِ الْحُقُبِ وَالْأَحْقَابِ أَنْ يَكُونَ فِي حَيْثُ يُرَادُ تَوَالِي الْأَزْمَانِ وَيُبَيِّنُ هَذَا الْآيَاتُ الْأُخْرَى الدَّالَّةُ عَلَى خُلُودِ الْمُشْرِكِينَ، فَجَاءَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى الْمَعْرُوفِ الشَّائِعِ فِي الْكَلَامِ كِنَايَةً بِهِ عَنِ الدَّوَامِ دُونَ انْتِهَاءٍ.
وَلَيْسَ فِيهِ دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لِهَذَا اللُّبْثِ نِهَايَةً حَتَّى يُحْتَاجَ إِلَى دَعْوَى نَسْخِ ذَلِكَ بِآيَاتِ الْخُلُودِ وَهُوَ وَهْمٌ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ لَا تُنْسَخُ، أَوْ يُحْتَاجَ إِلَى جَعْلِ الْآيَةِ لِعُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْقُرْآنِ الْمَكِّيِّ الْأَوَّلِ إِذْ قَدْ كَانَ الْمُؤْمِنُونَ أَيَّامَئِذٍ صَالِحِينَ مُخْلِصِينَ مُجِدِّينَ فِي أَعْمَالهم.
[24- 26]
لَا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (24) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (25) جَزاءً وِفاقاً (26)
هَذِهِ الْجُمْلَةُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا ثَانِيَةً من (الطاغين) [النبأ: 22] أَوْ حَالًا أُولَى مِنَ الضَّمِيرِ فِي لابِثِينَ [النبأ: 23] وَأَنْ تَكُونَ خَبَرًا ثَالِثًا: لِ كانَتْ مِرْصاداً [النبأ: 21] .
وَضَمِيرُ فِيها عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ عَائِدٌ إِلَى جَهَنَّمَ [النبأ: 21] .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صِفَةً ل أَحْقاباً [النبأ: 23] ، أَيْ لَا يَذُوقُونَ فِي تِلْكَ الْأَحْقَابِ بَرْدًا وَلَا شَرَابًا إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا. فَضَمِيرُ فِيها عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَائِدٌ إِلَى الْأَحْقَابِ.
وَحَقِيقَةُ الذَّوْقِ: إِدْرَاكُ طَعْمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. وَيُطْلَقُ عَلَى الْإِحْسَاسِ بِغَيْر الطعوم إطلاقا مَجَازِيًّا. وَشَاعَ فِي كَلَامِهِمْ، يُقَالُ: ذَاقَ الْأَلَمَ، وَعَلَى وِجْدَانِ النَّفْسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ [الْمَائِدَة: 95] . وَقَدِ اسْتُعْمِلَ هُنَا فِي مَعْنَيَيْهِ حَيْثُ نَصَبَ بَرْداً وشَراباً وَالْبَرْدُ: ضِدُّ الْحَرِّ، وَهُوَ تَنْفِيسٌ لِلَّذِينَ عَذَابُهُمُ الْحَرُّ، أَيْ لَا يُغَاثُونَ بِنَسِيمٍ بَارِدٍ، وَالْبَرْدُ أَلَذُّ مَا يَطْلُبُهُ الْمَحْرُورُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَنَفَرٍ قَلِيلٍ تَفْسِيرُ الْبَرْدِ بِالنَّوْمِ وَأَنْشَدُوا شَاهِدَيْنِ غَيْرَ وَاضِحَيْنِ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهِ تَكَلُّفٌ لَا دَاعِيَ إِلَيْهِ، وَعَطْفُ وَلا شَراباً يُنَاكِدُهُ. وَالشَّرَابُ: مَا يُشْرَبُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَاءُ الَّذِي يُزِيلُ الْعَطَشَ.
وَالْحَمِيمُ: الْمَاءُ الشَّدِيدُ الْحَرَارَةِ.