وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ [سبأ: 7- 8] ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشُكُّونَ فِيهِ كَالَّذِينَ حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [الجاثية: 32] عَلَى أَحَدِ التَّفْسِيرَيْنِ.
وَجِيءَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ فِي صِلَةِ الْمَوْصُولِ دُونَ أَنْ يَقُولَ: الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، لِتُفِيدَ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي أَمْرِ هَذَا النَّبَأِ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُمْ وَدَائِمٌ فِيهِمْ لِدِلَالَةِ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ.
وَتَقْدِيمُ عَنْهُ على مُعْرِضُونَ [ص: 68] لِلِاهْتِمَامِ بِالْمَجْرُورِ وَلِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ مَا كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ، مَعَ مَا فِي التَّقْدِيمِ مِنَ الرِّعَايَةِ على الفاصلة.
[4]
كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (4)
كَلَّا حَرْفُ رَدْعٍ وَإِبْطَالٍ لِشَيْءٍ يَسْبِقُهُ غَالِبًا فِي الْكَلَامِ يَقْتَضِي رَدْعَ الْمَنْسُوبِ إِلَيْهِ وَإِبْطَالَ مَا نُسِبَ إِلَيْهِ، وَهُوَ هُنَا رَدْعٌ لِلَّذِينَ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ التَّسَاؤُلُ مِنَ الْمَعَانِي الْمُتَقَدِّمَةِ، وَإِبْطَالٌ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ جملَة يَتَساءَلُونَ [النبأ:
1] مِنْ تَسَاؤُلٍ مَعْلُومٍ لِلسَّامِعِينَ.
فَمَوْقِعُ الْجُمْلَةِ مَوْقِعُ الْجَوَابِ عَنِ السُّؤَالِ وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ وَلَمْ تُعْطَفْ لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقَةُ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ.
وَالْكَلَامُ وَإِنْ كَانَ إِخْبَارًا عَنْهُمْ فَإِنَّهُمُ الْمَقْصُودُونَ بِهِ فَالرَّدْعُ مُوَجَّهٌ إِلَيْهِمْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.
وَالْمَعْنَى: إِبْطَالُ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ النَّبَأِ وَإِنْكَارُ التَّسَاؤُلِ عَنْهُ ذَلِكَ التَّسَاؤُلُ الَّذِي أَرَادُوا بِهِ الِاسْتِهْزَاءَ وَإِنْكَارَ الْوُقُوعِ، وَذَلِكَ يُثْبِتُ وُقُوعَ مَا جَاءَ بِهِ النَّبَأُ وَأَنَّهُ حَقٌّ لِأَنَّ إِبْطَالَ إِنْكَارِ وُقُوعِهِ يُفْضِي إِلَى إِثْبَاتِ وُقُوعِهِ.
وَالْغَالِبُ فِي اسْتِعْمَالِ كَلَّا أَنْ تُعَقَّبَ بِكَلَامٍ يُبَيِّنُ مَا أَجْمَلَتْهُ مِنَ الرَّدْعِ وَالْإِبْطَالِ فَلِذَلِكَ عُقِّبَتْ هُنَا بِقَوْلِهِ: سَيَعْلَمُونَ وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي إِبْطَالِ كَلَامِهِمْ بِتَحْقِيقِ أَنَّهُمْ سَيُوقِنُونَ بِوُقُوعِهِ وَيُعَاقَبُونَ عَلَى إِنْكَارِهِ، فَهُمَا عِلْمَانِ يَحْصُلَانِ لَهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ: عِلْمٌ بِحَقِّ وُقُوعِ الْبَعْثِ، وَعِلْمٌ فِي الْعِقَابِ عَلَيْهِ.