تَعَالَى: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ [آل عمرَان:
196، 197] .
وَجُمْلَةُ إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ بِالسُّوءِ، أَيْ أَنَّ إِجْرَامَكُمْ مُهْوٍ بِكُمْ إِلَى الْعَذَابِ، وَذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ مُقَابَلَةِ وَصْفِهِمْ بِالْإِجْرَامِ بِوَصْف الْمُتَّقِينَ [المرسلات: 41] بِالْإِحْسَانِ إِذِ الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَالْجُمْلَةُ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ.
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ (إِنَّ) لِرَدِّ إِنْكَارِهِمْ كَونهم مجرمين.
[47]
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47)
هُوَ مِثْلُ نَظِيرِهِ الْمَذْكُورِ ثَانِيًا فِي هَذِهِ السُّورَةِ.
وَيَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ لَهُ ارْتِبَاطًا خَاصًّا بِجُمْلَةِ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا [المرسلات: 46] لِمَا فِي تَمَتَّعُوا قَلِيلًا مِنَ الْكِنَايَةِ عَنْ تَرَقُّبِ سُوءِ عَاقِبَةٍ لَهُمْ فَيَقَعُ قَوْلُهُ: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ مَوْقِعَ الْبَيَانِ لِتِلْكَ الْكِنَايَةِ، أَيْ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا الْآنَ وَوَيْلٌ لَكُمْ يَوْم الْقِيَامَة.
[48]
[سُورَة المرسلات (77) : آيَة 48]
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48)
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْله: لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات: 47] ، وَالتَّقْدِيرُ: وَالَّذِينَ إِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ، فَإِنَّ (الْ) الدَّاخِلَةَ عَلَى الْأَوْصَافِ الْمُشْتَقَّةِ بِمَنْزِلَةِ اسْمِ الْمَوْصُولِ غَالِبًا، وَلِذَلِكَ جَعَلَهَا النُّحَاةُ فِي عِدَادِ أَسْمَاءِ الْمَوْصُولِ وَجَعَلُوا الْوَصْفَ الدَّاخِلَةَ عَلَيْهِ صِلَةً لَهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا [المرسلات: 46] وَالِانْتِقَالُ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ الْتِفَاتٌ.
وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ فَهُوَ مِنَ الْإِدْمَاجِ لِيَنْعِيَ عَلَيْهِمْ مُخَالَفَتَهُمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَعْمَالِ الدَّالَّةِ عَلَى الْإِيمَانِ الْبَاطِنِ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِمَادُ الدِّينِ وَلِذَلِكَ عُبِّرَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ بِ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ [الماعون: 5] .