وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ جِمَالَاتٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَأَلِفٍ بَعْدَ اللَّامِ فَهُوَ جَمْعُ جِمَالَةٍ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِم وَخلف جِمالَتٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ بِدُونِ أَلِفٍ بَعْدَ اللَّامِ وَهُوَ جَمْعُ جَمَلٍ حَجَرٍ وَحِجَارَةٍ.
وَقَرَأَهُ رُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ جُمَالَاتٌ بِضَمِّ الْجِيمِ وَأَلِفٍ بَعْدَ اللَّامِ جَمْعَ جُمَالَةٍ بِالضَّمِّ وَهِيَ حَبْلٌ تُشَدُّ بِهِ السَّفِينَةُ، وَيُسَمَّى الْقَلْسُ (بِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ وَلَامٍ سَاكِنَةٍ) وَالتَّقْدِيرُ:
كَأَنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهَا جُمَالَةٌ، وصُفْرٌ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ نعت ل جِمالَتٌ أَوْ لِ (شَرَرٍ) .
قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَقَالَ أَبُو الْعَلَاءِ (يَعْنِي الْمَعَرِّي) فِي صِفَةِ نَارِ قَوْمٍ مَدَحَهُمْ بِالْكَرَمِ:
حَمْرَاءَ سَاطِعَةَ الذَّوَائِبِ فِي الدُّجَى ... تَرْمِي بِكُلِّ شَرَارَةٍ كَطِرَافِ
شَبَّهَ الشَّرَارَةَ بِالطِّرَافِ وَهُوَ بَيْتُ الْأَدْمِ فِي الْعِظَمِ وَالْحُمْرَةِ وَكَأَنَّهُ قَصَدَ بِخُبْثِهِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى تَشْبِيهِ الْقُرْآنِ وَلِتَبَجُّحِهِ بِمَا سُوِّلَ لَهُ مِنْ تَوَهُّمِ الزِّيَادَةِ جَاءَ فِي صَدْرِ بَيْتِهِ بِقَوْلِهِ: «حَمْرَاءَ» تَوْطِئَةً لَهَا وَمُنَادَاةً عَلَيْهَا وَتَنْبِيهًا لِلسَّامِعِينَ عَلَى مَكَانِهَا، وَلَقَدْ عَمِيَ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ عَمَى الدَّارِينَ عَنْ قَوْلِهِ عِزَّ وَعلا: كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ كَبَيْتٍ أَحْمَرَ وَعَلَى أَنَّ فِي التَّشْبِيهِ بِالْقَصْرِ وَهُوَ الْحِصْنُ تَشْبِيهًا مِنْ جِهَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْعِظَمِ وَمِنْ جِهَةِ الطُّولِ فِي الْهَوَاءِ فَأَبْعَدَ اللَّهُ إِغْرَابَهُ فِي طِرَافِهِ وَمَا نَفَخَ شِدْقَيْهِ مِنِ اسْتِطْرَافِهِ اهـ.
وَأَقُولُ: هَذَا الْكَلَامُ ظَنُّ سُوءِ بِالْمَعَرِّي لَمْ يُشَمَّ مِنْ كَلَامِهِ، وَلَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ
أَهْلِ نَبْزِهِ وَمَلَامِهِ، زَادَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي طُنْبُورِ أَصْحَابِ النِّقْمَةِ، لِنَبْزِ الْمَعَرِّي وَلَمْزِهِ نَغْمَةٌ.
قَالَ الْفَخْرُ: كَانَ الْأَوْلَى لِصَاحِبِ «الْكَشَّافِ» أَنْ لَا يَذْكُرَ ذَلِكَ (أَيْ لِأَنَّهُ ظن سوءا بِلَا دَلِيلٍ) .
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى مِثْلِ الْمَعَرِّي: أَنَّ الْكَلَامَ بِآخِرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ شَبَّهَ الشَّرَارَةَ: أَوَّلًا حِينَ تَنْفَصِلُ عَنِ النَّارِ بِالْقَصْرِ فِي الْعِظَمِ، وَثَانِيًا حِينَ تَأْخُذُ فِي الِارْتِفَاعِ وَالِانْبِسَاطِ فَتَنْشَقُّ عَنْ أَعْدَادٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا بِالْجِمَالَاتِ فِي التَّفَرُّقِ