بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (52)
إِضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ لِذِكْرِ حَالَةٍ أُخْرَى مِنْ أَحْوَالِ عِنَادِهِمْ إِذْ قَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا نُؤْمِنُ لَكَ حَتَّى يَأْتِيَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا كِتَابٌ فِيهِ مِنَ اللَّهِ إِلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَهَذَا مِنْ أَفَانِينِ تَكْذِيبِهِمْ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ.
وَجُمِعَ (صُحُفٌ) إِمَّا لِأَنَّهُمْ سَأَلُوا أَنْ يَكُونَ كُلُّ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ تَأْتِي الْوَاحِدَ مِنْهُمْ فِي شَأْنِهِ صَحِيفَةٌ، وَإِمَّا لِأَنَّهُمْ لَمَّا سَأَلُوا أَنْ تَأْتِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَحِيفَةٌ بِاسْمِهِ وَكَانُوا جَمَاعَةً مُتَّفِقِينَ جُمِعَ لِذَلِكَ فَكَأَنَّ الصُّحُفَ جَمِيعَهَا جَاءَتْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ.
وَالْمُنَشَّرَةُ: الْمَفْتُوحَةُ الْمَقْرُوءَةُ، أَيْ لَا نَكْتَفِي بِصَحِيفَةٍ مَطْوِيَّةٍ لَا نَعْلَمُ مَا كُتِبَ فِيهَا ومُنَشَّرَةً مُبَالَغَةٌ فِي مَنْشُورَةٍ. وَالْمُبَالَغَةُ وَارِدَةٌ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ فِعْلُ (نَشَرَ) الْمُجَرَّدُ مِنْ كَوْنِ الْكِتَابِ مَفْتُوحًا وَاضِحًا مِنَ الصُّحُفِ الْمُتَعَارِفَةِ. وَفِي حَدِيثِ الرَّجْمِ فنشروا التَّوْرَاة.
[53]
[سُورَة المدثر (74) : آيَة 53]
كَلاَّ بَلْ لَا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (53)
كَلَّا إِبْطَالٌ لِظَاهِرِ كَلَامِهِمْ وَمُرَادِهِمْ مِنْهُ وَرَدْعٌ عَنْ ذَلِكَ، أَيْ لَا يَكُونُ لَهُمْ ذَلِكَ.
ثُمَّ أَضْرَبَ عَلَى كَلَامِهِمْ بِإِبْطَالٍ آخَرَ بِحَرْفِ الْإِضْرَابِ فَقَالَ: بَلْ لَا يَخافُونَ الْآخِرَةَ أَيْ لَيْسَ مَا قَالُوهُ إِلَّا تَنَصُّلًا فَلَوْ أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ كِتَابٌ مَا آمَنُوا وهم لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ، أَيْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا فَكُنِّيَ عَنْ عَدَمِ الْإِيمَانِ بِالْآخِرَةِ بِعَدَمِ الْخَوْفِ مِنْهَا، لِأَنَّهُمْ لَوْ آمَنُوا بِهَا لَخَافُوهَا إِذِ الشَّأْنُ أَنْ يخَاف عَذَابهَا إِذْ كَانَتْ إِحَالَتُهُمُ الْحَيَاةَ الْآخِرَةَ أَصْلًا لِتَكْذِيبِهِمْ بِالْقُرْآنِ.