والْيَقِينُ: اسْمُ مَصْدَرِ يَقِنَ كَفَرِحَ، إِذَا عَلِمَ عِلْمًا لَا شَكَّ مَعَهُ وَلَا تَرَدُّدَ.
وَإِتْيَانُهُ مُسْتَعَارٌ لِحُصُولِهِ بَعْدُ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا، شُبِّهَ الْحُصُولُ بَعْدَ الِانْتِفَاءِ بِالْمَجِيءِ بَعْدَ الْمَغِيبِ.
وَالْمَعْنَى: حَتَّى حَصَلَ لَنَا الْعِلْمُ بِأَنَّ مَا كُنَّا نُكَذِّبُ بِهِ ثَابِتٌ، فَقَوْلُهُ: حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَايَةٌ لِجُمْلَةِ نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ.
وَيُطْلَقُ الْيَقِينُ أَيْضًا عَلَى الْمَوْتِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ حُصُولُهُ لِكُلِّ حَيٍّ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا هُنَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الْحجر: 99] . فَتَكُونُ جُمْلَةُ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ غَايَةً لِلْجُمَلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ إِلَى بِيَوْمِ الدِّينِ.
وَالْمَعْنَى: كُنَّا نَفْعَلُ ذَلِكَ مُدَّةَ حَيَاتِنَا كُلِّهَا.
وَفِي الْأَفْعَالِ الْمُضَارِعَةِ فِي قَوْلِهِ: لَمْ نَكُ، ونَخُوضُ، ونُكَذِّبُ إِيذَانٌ بِأَنَّ ذَلِكَ دَيْدَنُهُمْ وَمُتَجَدِّدٌ مِنْهُمْ طُولَ حَيَاتِهِمْ.
وَفِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِي أَضَاعَ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ مُسْتَحِقٌّ حَظًّا مِنْ سَقَرَ عَلَى مِقْدَارِ إِضَاعَتِهِ وَعَلَى مَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ مُعَادَلَةِ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ، وَظَوَاهِرِهِ وَسَرَائِرِهِ، وَقَبْلَ الشَّفَاعَةِ وَبَعْدَهَا.
وَقَدْ حَرَمَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْمُجْرِمِينَ الْكَافِرِينَ أَنْ تَنْفَعَهُمُ الشَّفَاعَةُ فَعَسَى أَنْ تَنْفَعَ الشَّفَاعَةُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَقْدَارِهِمْ.
وَفِي قَوْلِهِ: فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ إِيمَاءٌ إِلَى ثُبُوتِ الشَّفَاعَةِ لِغَيْرِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَتَفْصِيلُهَا فِي صِحَاحِ الْأَخْبَارِ.
وَفَاءُ فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ، أَيْ فَهُمْ دَائِمُونَ فِي الْارْتِهَانِ فِي سقر.