وَفِي إِظْهَارِ اسْمِ فِرْعَوْنَ فِي قَوْلِهِ: فَعَصى فِرْعَوْنُ دُونَ أَنْ يُؤْتَى بِضَمِيرِهِ لِلنِّدَاءِ عَلَيْهِ بِفَظَاعَةِ عِصْيَانِهِ الرَّسُولَ.
وَلَمَّا جَرَى ذِكْرُ الرَّسُولِ الْمُرْسَلِ إِلَى فِرْعَوْنَ أَوَّلَ مَرَّةٍ جِيءَ بِهِ فِي ذِكْرِهِ ثَانِيَ مَرَّةٍ مُعَرَّفًا بِلَامِ الْعَهْدِ وَهُوَ الْعَهْدُ الذِّكْرِيُّ، أَيِ الرَّسُولُ الْمَذْكُورُ آنِفًا فَإِنَّ النَّكِرَةَ إِذَا أُعِيدَتْ مُعَرَّفَةً بِاللَّامِ كَانَ مَدْلُولُهَا عَيْنَ الْأُولَى.
وَالْأَخْذُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِهْلَاكِ مَجَازًا لِأَنَّهُ لَمَّا أَزَالَهُمْ مِنَ الْحَيَاةِ أَشْبَهَ فِعْلُهُ أَخْذَ الْآخِذِ شَيْئًا مِنْ مَوْضِعِهِ وَجَعْلِهِ عِنْدَهُ.
وَالْوَبِيلُ: فَعِيلٌ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ وَبُلَ الْمَكَانُ، إِذَا وَخِمَ هَوَاؤُهُ أَوْ مَرْعَى كَلَئِهِ، وَقَالَ زُهَيْرٌ:
إِلَى كَلَإٍ مُسْتَوْبِلٍ مُتَوَخِّمٍ وَهُوَ هُنَا مستعار لسيّىء الْعَاقِبَةِ شَدِيدَ السُّوءِ، وَأُرِيدَ بِهِ الْغَرَقُ الَّذِي أَصَابَ فِرْعَوْن وَقَومه.
[17- 18]
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (17) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (18)
الِاسْتِفْهَامُ بِ (كَيْفَ) مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيزِ وَالتَّوْبِيخِ وَهُوَ مُتَفَرِّعٌ بِالْفَاءِ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْخِطَابُ السَّابِقُ مِنَ التَّهْدِيدِ عَلَى تَكْذِيبِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أُدْمِجَ فِيهِ مِنَ التَّسْجِيلِ بِأَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِدٌ عَلَيْهِمْ فَلَيْسَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ إِلَّا الْمُؤَاخَذَةُ بِمَا شَهِدَ بِهِ، وَقَدِ انْتَقَلَ بِهِمْ مِنَ التَّهْدِيدِ بِالْأَخْذِ فِي الدُّنْيَا الْمُسْتَفَادِ مِنْ تَمْثِيلِ حَالِهِمْ بِحَالِ فِرْعَوْنَ مَعَ مُوسَى إِلَى الْوَعِيدِ بِعِقَابٍ أَشَدَّ وَهُوَ عَذَابُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَدْ نَشَأَ هَذَا الِاسْتِفْهَامُ عَنِ اعْتِبَارِهِمْ أَهْلَ اتِّعَاظٍ وَخَوْفٍ مِنَ الْوَعِيدِ بِمَا حَلَّ بِأَمْثَالِهِمْ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يُثِيرَ فِيهِمْ تَفْكِيرًا مِنَ النَّجَاةِ مِنَ الْوُقُوعِ فِيمَا هُدِّدُوا بِهِ، وَأَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا أَهْلَ جَلَادَةٍ عَلَى تَحَمُّلِ عَذَابِ الدُّنْيَا فَمَاذَا يَصْنَعُونَ فِي اتِّقَاءِ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَدَلَّتْ فَاءُ التَّفْرِيعِ وَاسْمُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
فَالْمَعْنَى: هَبْكُمْ أَقْدَمْتُمْ عَلَى تَحَمُّلِ عَذَابِ الدُّنْيَا فَكَيْفَ تَتَّقُونَ عَذَابَ الْآخِرَةِ،