قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ فَقَامَ النَّبِيءُ وَأَصْحَابُهُ»
، عَلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي رَفْعِ فَرْضِ الْقِيَامِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ. وَتَقَرَّرَ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ فِيهِ.
وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِمْرَارِ وُجُوبِهِ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا طَائِلَ وَرَاءَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ عَدَمِهِ.
وَقَوْلُهُ: إِلَّا قَلِيلًا اسْتِثْنَاءٌ مِنَ اللَّيْلَ أَيْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ إِيجَابُ الْقِيَامِ عَلَيْهِ بِأَوْقَاتِ اللَّيْلِ كُلِّهَا.
ونِصْفَهُ بَدَلٌ مِنْ قَلِيلًا بَدَلًا مُطَابِقًا وَهُوَ تَبْيِينٌ لِإِجْمَالِ قَلِيلًا فَجَعَلَ الْقَلِيلَ هُنَا النِّصْفَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ بِقَلِيلٍ.
وَفَائِدَةُ هَذَا الْإِجْمَالِ الْإِيمَاءُ إِلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ أَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ نِصْفِ اللَّيْلِ وَأَنَّ جَعْلَهُ نِصْفَ اللَّيْلِ رَحْمَةٌ وَرُخْصَةٌ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ تَعْقِيبُهُ بِقَوْلِهِ: أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَيْ انْقُصْ مِنَ النِّصْفِ قَلِيلًا، فَيَكُونُ زَمَنُ قِيَامِ اللَّيْلِ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِهِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ قَلِيلٌ فَهُوَ رُخْصَةٌ فِي الرُّخْصَةِ.
وَقَالَ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَهُوَ عَوْدٌ إِلَى التَّرْغِيبِ فِي أَنْ تَكُونَ مُدَّةُ الْقِيَامِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُقيد أَوْ زِدْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا قَيَّدَ بِهِ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ لِتَكُونَ الزِّيَادَةُ عَلَى النِّصْفِ مُتَّسِعَةً، وَقَدْ
وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِالْعَزِيمَةِ فَقَامَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ وَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ: «إِنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ» فَقَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»
. وَالتَّخْيِيرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ حَرْفِ أَوِ مَنْظُورٌ فِيهِ إِلَى تَفَاوُتِ اللَّيَالِي بِالطُّولِ وَالْقِصَرِ لِأَنَّ لِذَلِكَ ارْتِبَاطًا بِسَعَةِ النَّهَارِ لِلْعَمَلِ وَلِأَخْذِ الْحَظِّ الْفَائِتِ مِنَ النَّوْمِ.
وَبَعْدُ فَذَلِكَ تَوْسِيعٌ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَفْعِ حَرَجِ تَحْدِيدِهِ لِزَمَنِ الْقِيَامِ فَسُلِكَ بِهِ مَسْلَكَ التَّقْرِيبِ.
وَجَعَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ اللَّيْلَ اسْمَ جِنْسٍ يَصْدُقُ عَلَى جَمِيعِ اللَّيَالِي، وَأَنَّ الْمَعْنَى: إِلَّا قَلِيلًا مِنَ اللَّيَالِي، وَهِيَ اللَّيَالِي الَّتِي يَكُونُ فِيهَا عُذْرٌ يَمْنَعُهُ مِنْ قِيَامِهَا، أَيْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ اللَّيَالِي بِاعْتِبَارِ جُزْئِيَّاتِهَا لَا بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ، ثُمَّ قَالَ: نِصْفَهُ إِلَى آخِرِهِ.
وَتَخْصِيصُ اللَّيْلِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ لِأَنَّهُ وَقْتُ النَّوْمِ عَادَةً فَأَمْرُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِيَامِ فِيهِ زِيَادَةٌ فِي إِشْغَالِ أَوْقَاتِهِ بِالْإِقْبَالِ عَلَى مُنَاجَاةِ اللَّهِ: وَلِأَنَّ اللَّيْلَ وَقْتُ سُكُونِ