بِ (لَا) يَجُوزُ الِاقْتِرَانُ بِالْفَاءِ وَتَرْكُهُ. وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَكَلَامُ «الْكَشَّافِ» يَقْتَضِي أَنَّ الِاقْتِرَانَ بِالْفَاءِ وَاجِبٌ إِلَّا إِذَا قُصِدَتْ مَزِيَّةٌ أُخْرَى.

[14- 15]

[سُورَة الْجِنّ (72) : الْآيَات 14 الى 15]

وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (14) وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (15)

وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ.

قَرَأَ الْجُمْهُورُ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ وَخَلَفٌ بِفَتْحِهَا وَهُوَ مِنْ قَوْلِ الْجِنِّ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى الْمَجْرُورِ بِالْبَاءِ. وَالْمَقْصُودُ بِالْعَطْفِ قَوْلُهُ: فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً وَمَا قَبْلَهُ تَوْطِئَةٌ لَهُ، أَيْ أَصْبَحْنَا بَعْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ مِنَّا الْمُسْلِمُونَ، أَيْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا مَا جَاءَ بِهِ الْإِسْلَامُ مِمَّا يَلِيقُ بِحَالِهِمْ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ، أَيْ الْكَافِرُونَ الْمُعْرِضُونَ وَهَذَا تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِمْ: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ [الْجِنّ: 11] لِأَنَّ فِيهِ تَصْرِيحًا بِأَنَّ دُونَ ذَلِكَ هُوَ ضِدُّ الصَّلَاحِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ مُنْتَهَى مَا حُكِيَ عَنِ الْجِنِّ مِنَ الْمُدْرَكَاتِ الَّتِي عُبِّرَ عَنْهَا بِالْقَوْلِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ.

فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (14) وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (15) .

الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ عَنِ الْكَلَامِ الْمَحْكِيِّ عَنِ الْجِنِّ، وَأَنَّهُ كَلَامٌ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى

لِمَوْعِظَةِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ النَّاسِ فَهُوَ فِي مَعْنَى التَّذْيِيلِ. وَإِنَّمَا قُرِنَ بِالْفَاءِ لِتَفْرِيعِهِ عَلَى الْقِصَّةِ لِاسْتِخْلَاصِ الْعِبْرَةِ مِنْهَا، فَالتَّفْرِيعُ تَفْرِيعُ كَلَامٍ عَلَى كَلَامٍ وَلَيْسَ تَفْرِيعَ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ.

وَالتَّحَرِّي: طَلَبُ الْحَرَا بِفَتْحَتَيْنِ مَقْصُورًا وَاوِيًّا، وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ، يُقَالُ: بِالْحَرِيِّ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا، وَأَحْرَى أَنْ تَفْعَلَ.

وَالرَّشَدُ: الْهُدَى وَالصَّوَابُ، وَتَنْوِينُهُ لِلتَّعْظِيمِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ فَقَدْ تَوَخَّى سَبَبَ النَّجَاةِ وَمَا يَحْصُلُ بِهِ الثَّوَابُ لِأَنَّ الرَّشَدَ سَبَبُ ذَلِكَ.

وَالْقَاسِطُ: اسْمُ فَاعِلِ قَسَطَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ قَسْطًا بِفَتْحِ الْقَافِ وَقُسُوطًا بِضَمِّهَا، أَيْ جَارٍ فَهُوَ كَالظُّلْمِ يُرَادُ بِهِ ظُلْمُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ بِالْإِشْرَاكِ. وَفِي «الْكَشَّافِ» :

طور بواسطة نورين ميديا © 2015