وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا إِلَخ [نوح: 24] .

7- وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ إِلَخ [نوح: 26] .

8- رَبِّ اغْفِرْ لِي إِلَخ [نوح: 28] .

وَجَعَلَ دَعْوَتَهُ مَظْرُوفَةً فِي زَمَنَيِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى عَدَمِ الْهَوَادَةِ فِي حِرْصِهِ عَلَى إِرْشَادِهِمْ، وَأَنَّهُ يَتَرَصَّدُ الْوَقْتَ الَّذِي يَتَوَسَّمُ أَنَّهُمْ فِيهِ أَقْرَبُ إِلَى فَهْمِ دَعْوَتِهِ مِنْهُمْ فِي غَيْرِهِ مِنْ أَوْقَاتِ النَّشَاطِ وَهِيَ أَوْقَاتُ النَّهَارِ، وَمِنْ أَوْقَاتِ الْهَدُوِّ وَرَاحَةِ الْبَالِ وَهِيَ أَوْقَاتُ اللَّيْلِ.

وَمَعْنَى فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً أَنَّ دُعَائِي لَهُمْ بِأَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَبِطَاعَتِهِمْ لِي لَمْ يَزِدْهُمْ مَا دَعَوْتُهُمْ إِلَيْهِ إِلَّا بُعْدًا مِنْهُ، فَالْفِرَارُ مُسْتَعَارٌ لِقُوَّةِ الْإِعْرَاضِ، أَيْ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِيَّاهُمْ قُرْبًا مِمَّا أَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ.

وَاسْتِثْنَاءُ الْفِرَارِ مِنْ عُمُومِ الزِّيَادَاتِ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ. وَالتَّقْدِيرُ: فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي قُرْبًا مِنَ الْهُدَى لَكِنْ زَادَهُمْ فِرَارًا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ [هود: 63] .

وَإِسْنَادُ زِيَادَةِ الْفِرَارِ إِلَى الدُّعَاءِ مَجَازٌ لِأَنَّ دُعَاءَهُ إِيَّاهُمْ كَانَ سَبَبًا فِي تَزَايُدِ إِعْرَاضِهِمْ وَقُوَّةِ تَمَسُّكِهِمْ بِشِرْكِهِمْ.

وَهَذَا مِنَ الْأُسْلُوبِ الْمُسَمَّى فِي عِلْمِ الْبَدِيعِ تَأْكِيدُ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ، أَوْ تَأْكِيدُ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ، وَهُوَ هُنَا تَأْكِيدُ إِعْرَاضِهِمُ الْمُشَبَّهِ بِالِابْتِعَادِ بِصُورَةٍ تُشْبِهُ ضِدَّ الْإِعْرَاضِ.

وَلَمَّا كَانَ فِرَارُهُمْ مِنَ التَّوْحِيدِ ثَابِتًا لَهُمْ مِنْ قَبْلُ كَانَ قَوْلُهُ: فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ.

وَتَصْدِيرُ كَلَامِ نُوحٍ بِالتَّأْكِيدِ لِإِرَادَةِ الاهتمام بالْخبر.

[7]

[سُورَة نوح (71) : آيَة 7]

وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015