وَالتَّعْرِيفُ فِي الْيَمِينِ والشِّمالِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ أَوِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ: الْإِحَاطَةُ بِالْجِهَاتِ فَاكْتُفِيَ بِذِكْرِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ، لِأَنَّهُمَا الْجِهَتَانِ اللَّتَان يغلب حلولهما، وَمِثْلُهُ قَوْلُ قَطَرِيُّ بْنُ الْفُجَاءَةِ:
فَلَقَدْ أَرَانِي لِلرِّمَاحِ دَرِيئَةً ... مِنْ عَنْ يَمِينِي مَرَّةً وَأَمَامِي
يُرِيدُ: مِنْ كُلِّ جِهَةٍ.
وعِزِينَ حَالٌ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا. وعِزِينَ: جَمَعُ عِزَةٍ بِتَخْفِيفِ الزَّايِ، وَهِيَ الْفِرْقَةُ مِنَ النَّاسِ، اسْمٌ بِوَزْنِ فِعْلَةٍ. وَأَصْلُهُ عِزْوَةٌ بِوَزْنِ كِسْوَةٍ، وَلَيْسَتْ بِوَزْنِ عِدَةٍ. وَجَرَى جَمْعُ عِزَةٍ عَلَى الْإِلْحَاقِ بِجَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَهُوَ مِنْ بَابِ سِنَةٍ مِنْ كُلِّ اسْمٍ ثُلَاثِيٍّ حُذِفَتْ لَامَهُ وَعُوِّضَ عَنْهَا هَاءَ التَّأْنِيثِ وَلَمْ يُكْسَرْ مِثْلَ عِضَةٍ (لِلْقِطْعَةِ) .
وَهَذَا التَّرْكِيبُ فِي قَوْله تَعَالَى: فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ إِلَى قَوْلِهِ جَنَّةَ نَعِيمٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعَارَةً تَمْثِيلِيَّةً شُبِّهَ حَالُهُمْ فِي إِسْرَاعِهِمْ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَالِ مَنْ يُظَنُّ بِهِمُ الِاجْتِمَاعُ لِطَلَبِ الْهُدَى وَالتَّحْصِيلِ عَلَى الْمَغْفِرَةِ لِيَدْخُلُوا الْجَنَّةَ لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنْ لَا يَلْتَفَّ حَوْلَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلّا طالبوا الِاهْتِدَاءِ بِهَدْيِهِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ عَلَى هَذَا مُسْتَعْمَلٌ فِي أَصْلِ مَعْنَاهُ لِأَنَّ التَّمْثِيلِيَّةَ تَجْرِي فِي مَجْمُوعِ الْكَلَامِ مَعَ بَقَاءِ كَلِمَاتِهِ عَلَى حَقَائِقِهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ اسْتِفْهَامًا مُسْتَعْمَلًا فِي التَّعْجِيبِ مِنْ حَالِ إِسْرَاعِهِمْ ثُمَّ
تَكْذِيبِهِمْ وَاسْتِهْزَائِهِمْ.
وَجُمْلَةُ أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ بَدَلُ اشْتِمَالٍ عَنْ جُمْلَةِ فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ الْآيَةَ، لِأَنَّ الْتِفَافَهُمْ حَوْلَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ لِطَلَبِ الْهُدَى وَالنَّجَاةِ فَشُبِّهَ حَالُهُمْ بِحَالِ طَالِبِي النَّجَاةِ وَالْهُدَى فَأُورِدَ اسْتِفْهَامٌ عَلَيْهِ.
وَحَكَى الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا مُسْتَهْزِئِينَ: نَحْنُ نَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْمُسْلِمِينَ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارًا لِتَظَاهُرِهِمْ بِالطَّمَعِ فِي الْجَنَّةِ بِحَمْلِ اسْتِهْزَائِهِمْ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِمْ عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ، أَوْ بِالتَّعْبِيرِ بِفِعْلِ