الذُّنُوبَ كَحَدِيثِ «مَا يُدْرِيكُمْ مَا بَلَغَتْ بِهِ صَلَاتُهُ» .
وَقَدْ حَصَلَ بَيْنَ أُخْرَى هَذِهِ الصِّلَاتِ وَبَيْنَ أُولَاهَا مُحَسِّنُ رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ.
وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ يُفِيدُ تَقْوِيَةَ الْخَبَرِ مَعَ إِفَادَةِ التَّجَدُّدِ مِنَ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ.
وَلَمَّا أُجْرِيَتْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الصِّفَاتُ الْجَلِيلَةُ أُخْبِرَ عَنْ جَزَائِهِمْ عَلَيْهَا بِأَنَّهُمْ مُكَرَّمُونَ فِي الْجَنَّةِ.
وَجِيءَ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا مَا بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنْ أَجْلِ مَا سَبَقَ قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [5] .
وَالْإِكْرَامُ: التَّعْظِيمُ وَحُسْنُ اللِّقَاءِ، أَيْ هُمْ مَعَ جَزَائِهِمْ بِنَعِيمِ الْجَنَّاتِ يُكْرَمُونَ بِحُسْنِ اللِّقَاءِ وَالثَّنَاءِ، قَالَ تَعَالَى: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرَّعْد: 23، 24] وَقَالَ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التَّوْبَة: 72] .
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: فِي جَنَّاتٍ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ وَقَوْلُهُ مُكْرَمُونَ خَبَرًا ثَانِيًا.
[36- 41]
فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (40)
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)
فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا فُرِّعَ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ وَتَعْجِيبِيٌّ مِنْ تَجَمُّعِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَهْزِئِينَ بِمَا يَسْمَعُونَ مِنْ وَعْدِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ وَوَعِيدِ الْمُشْرِكِينَ بِعَذَابِ جَهَنَّمَ.
فُرِّعَ ذَلِكَ عَلَى مَا أَفَادَهُ فِي قَوْلِهِ: أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [المعارج: 35] .
وَالْمَعْنَى: أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا مَطْمَعَ لَهُمْ فِي دُخُول الْجنَّة فَمَاذَا يُحَاوِلُونَ بِتَجَمُّعِهِمْ حَوْلَكَ بِمَلَامِحِ اسْتِهْزَائِهِمْ.
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْمَقْصُودُ بِهِ إِبْلَاغُهُ إِلَيْهِمْ فِيمَا يَتْلُو عَلَيْهِمْ