وَفِي إِضَافَةِ (صَلَاةٍ) إِلَى ضَمِيرِ الْمُصَلِّينَ تَنْوِيهٌ بِاخْتِصَاصِهَا بِهِمْ، وَهَذَا الْوَصْفُ لِلْمُسْلِمِينَ مُقَابِلُ وَصْفِ الْكَافِرِينَ فِي قَوْلِهِ: بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ [المعارج: 1، 2] .
وَمَجِيءُ الصِّلَةِ جُمْلَةً اسْمِيَّةً دُونَ أَنْ يُقَالَ: الَّذِينَ يَدُومُونَ، لِقَصْدِ إِفَادَتِهَا الثَّبَاتَ تَقْوِيَةً كَمُفَادِ الدَّوَامِ.
وَإِعَادَةُ اسْمِ الْمَوْصُولِ مَعَ الصِّلَاتِ الْمَعْطُوفَةِ عَلَى قَوْلِهِ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ لِمَزِيدِ الْعِنَايَةِ بِأَصْحَابِ تِلْكَ الصِّلَاتِ.
وَتَسْمِيَةُ مَا يُعْطُونَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِنَ الصَّدَقَاتِ بَاسْمِ حَقٌّ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ جَعَلُوا السَّائِلَ وَالْمَحْرُومَ كَالشُّرَكَاءِ لَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ مِنْ فرط رغبتهم فِي مُوَاسَاةِ إِخْوَانِهِمْ إِذْ لَمْ تَكُنِ الصَّدَقَةُ يَوْمَئِذٍ وَاجِبَةً وَلَمْ تَكُنِ الزَّكَاةُ قَدْ فُرِضَتْ.
وَمَعْنَى كَوْنِ الْحَقِّ مَعْلُومًا أَنَّهُ يَعْلَمُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيَحْسِبُونَهُ، وَيَعْلَمُهُ السَّائِلُ وَالْمَحْرُومُ بِمَا اعْتَادَ مِنْهُمْ.
وَمَجِيءُ الصِّلَةِ جُمْلَةً اسْمِيَّةً لِإِفَادَةِ ثَبَاتِ هَذِهِ الْخَصْلَةِ فِيهِمْ وَتَمَكُّنِهَا مِنْهُمْ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ
الشُّحِّ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ بَيْنَ غَالِبِ النَّاسِ مِنْ مُعَاوَدَةِ الشُّحِّ لِلنُّفُوسِ.
وَالسَّائِلُ: هُوَ الْمُسْتَعْطِي، والْمَحْرُومِ: الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ تَعَفُّفًا مَعَ احْتِيَاجِهِ فَلَا يَتَفَطَّنُ لَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَيَبْقَى كَالْمَحْرُومِ.
وَأَصْلُ الْمَحْرُومِ: الْمَمْنُوعُ مِنْ مَرْغُوبِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الذَّارِيَاتِ [19] فِي قَوْلِهِ:
وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ. وَهَذِهِ الصِّفَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ مُضَادَّةُ صِفَةِ الْكَافِرِينَ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي قَوْلِهِ: وَجَمَعَ فَأَوْعى [المعارج: 18] .
وَالتَّصْدِيقُ بِيَوْمِ الدِّينِ هُوَ الْإِيمَانُ بِوُقُوعِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، والدِّينِ: الْجَزَاءُ. وَهَذَا الْوَصْفُ مُقَابِلُ وَصْفِ الْكَافِرِينَ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً [المعارج: 6] .
وَلَمَّا كَانَ التَّصْدِيقُ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ لم يُتَصَوَّرْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَفَاوُتٌ أُتِيَ بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ عَلَى الْأَصْلِ فِي صِلَةِ الْمَوْصُولِ، وَأُوثِرَ فِيهَا الْفِعْلُ الْمُضَارِعُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ.
وَوَصْفُهُمْ بِأَنَّهُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ فِي حَقِّ الْكَافِرِينَ سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ [المعارج: 1، 2] لِأَنَّ سُؤَالَهُمْ سُؤَالُ مُسْتَخِفٍّ بِذَلِكَ وَمُحِيلِهِ.