[سُورَة المعارج (70) : الْآيَات 8 إِلَى 18]

يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12)

وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلاَّ إِنَّها لَظى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (16) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17)

وَجَمَعَ فَأَوْعى (18)

يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ) بِفعل (تَعْرُجُ) [المعارج: 4] ، أَو أَن يَتَعَلَّقَ بِ (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ) قُدِّمَ عَلَيْهِ لِلْاهْتِمَامِ بِذِكْرِ الْيَوْمِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ ابْتِدَاء كَلَام، وَالْجُمْلَةُ الْمَجْعُولَةُ مَبْدَأَ كَلَامٍ تُجْعَلُ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ جملَة وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً لِأَنَّ عَدَمَ الْمُسَاءَلَةِ مُسَبَّبٌ عَنْ شِدَّةِ الْهَوْلِ، وَمِمَّا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَنْ يَوَدَّ الْمُوَلِّ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ ذَلِكَ الْعَذَابِ.

والمهل: دُرِدِيُّ الزَّيْتِ.

وَالْمَعْنَى: تَشْبِيهُ السَّمَاءِ فِي انْحِلَالِ أَجْزَائِهَا بِالزَّيْتِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ فِي سُورَة الرحمان [37] فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ.

وَالْعِهْنُ: الصُّوفُ الْمَصْبُوغُ، قِيلَ الْمَصْبُوغُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ الْمَصْبُوغُ أَلْوَانًا مُخْتَلِفَةً وَهُوَ الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ الرَّاغِبُ وَالزَّمَخْشَرِيُّ، قَالَ زُهَيْرٌ:

كَانَ فُتَاتُ الْعِهْنِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ ... نَزَلْنَ بِهِ حَبُّ الْفَنَا لَمْ يُحَطَّمْ

وَالْفَنَا بِالْقَصْرِ: حَبٌّ فِي الْبَادِيَةِ، يُقَالُ لَهُ: عِنَبُ الثَّعْلَبِ، وَلَهُ أَلْوَانٌ بَعْضُهُ أَخْضَرُ وَبَعْضُهُ أَصْفَرُ وَبَعْضُهُ أَحْمَرُ. وَالْعِهْنَةُ: شَجَرٌ بِالْبَادِيَةِ لَهَا وَرَدٌ أَحْمَرُ.

وَوَجْهُ الشَّبَهِ بِالْعِهْنِ تَفَرُّقُ الْأَجْزَاءِ كَمَا جَاءَتْ فِي آيَةِ الْقَارِعَةِ [5] وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ فَإِيثَارُ الْعِهْنِ بِالذِّكْرِ لِإِكْمَالِ الْمُشَابَهَةِ لِأَنَّ الْجِبَالَ ذَاتُ أَلْوَانٍ قَالَ تَعَالَى:

وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها [فاطر: 27] . وَإِنَّمَا تَكُونُ السَّمَاءُ وَالْجِبَالُ بِهَاتِهِ الْحَالَةِ حِينَ يَنْحَلُّ تَمَاسُكُ أَجْزَائِهِمَا عِنْدَ انْقِرَاضِ هَذَا الْعَالَمِ وَالْمَصِيرِ إِلَى عَالَمِ الْآخِرَةِ.

وَمعنى وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً لِشِدَّةِ مَا يَعْتَرِي النَّاسَ مِنَ الْهَوْلِ فَمِنْ شِدَّةِ ذَلِكَ أَنْ يَرَى الْحَمِيمُ حَمِيمَهُ فِي كَرْبٍ وَعَنَاءٍ فَلَا يَتَفَرَّغُ لِسُؤَالِهِ عَنْ حَالِهِ لِأَنَّهُ فِي شَاغِلٍ عَنْهُ، فَحذف مُتَعَلق يَسْئَلُ لِظُهُورِهِ مِنَ الْمَقَامِ وَمِنْ قَوْلِهِ: يُبَصَّرُونَهُمْ أَيْ يَبْصُرُ الْأَخِلَّاءُ أَحْوَالَ أَخِلَّائِهِمْ مِنَ الْكَرْبِ فَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا، قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015