وَإِنَّمَا اجْتَلَبَ هُنَا لُغَةَ الْمُخَفَّفِ لِثِقْلِ الْهَمْزِ الْمَفْتُوحِ بِتَوَالِي حَرَكَاتٍ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَهِيَ أَرْبَعُ فَتَحَاتٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ مُخَفَّفًا فِي بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِذْ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي تَوَالِي حَرَكَاتٍ، وَإِلَّا فَإِنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ أَحَدٌ بِالتَّخْفِيفِ فِي قَوْلِهِ: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي [الْبَقَرَة: 186] وَهُوَ يُسَاوِي سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ بَلْهَ قَوْلَهُ: سَالْتُهُمْ وَتَسْالُهُمْ وَلَا يَسَالُونَ.
وَقَوْلُهُ: سَأَلَ سائِلٌ بِمَنْزِلَةِ سُئِلَ لِأَنَّ مَجِيءَ فَاعِلِ الْفِعْلِ اسْمَ فَاعِلٍ مِنْ لَفْظِ فِعْلِهِ لَا يُفِيدُ زِيَادَةَ عَلْمٍ بِفَاعِلِ الْفِعْلِ مَا هُوَ، فَالْعُدُولُ عَنْ أَنْ يَقُولَ: سُئِلَ بِعَذَابٍ إِلَى قَوْلِهِ سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ، لِزِيَادَةِ تَصْوِيرِ هَذَا السُّؤَالِ الْعَجِيبِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ يَزِيدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ خُوَيْلِدٍ يُهَاجِي النَّابِغَةَ:
وَإِنَّ الْغَدْرَ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدٌّ ... بَنَاهُ فِي بَنِي ذُبْيَانَ بَانِي
وَمِنْ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ تَعْدِيَةُ سَأَلَ بِالْبَاءِ لِيَصْلُحَ الْفِعْلُ لِمَعْنَى الْاسْتِفْهَامِ وَالدُّعَاءِ وَالْاسْتِعْجَالِ، لِأَنَّ الْبَاءَ تَأْتِي بِمَعْنَى (عَنْ) وَهُوَ مِنْ مَعَانِي الْبَاءِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ فِعْلِ السُّؤَال نَحْو فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً [الْفرْقَان: 59] ، وَقَوْلِ عَلْقَمَةَ:
فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي ... خَبِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ
أَيْ إِنْ تَسْأَلُونِي عَنِ النِّسَاءِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ عَنِ الْأَخْفَشِ: يُقَالُ خَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْ فُلَانٍ وَبِفُلَانٍ. وَجَعَلَ فِي «الْكَشَّافِ» تَعْدِيَةَ فِعْلِ سَأَلَ بِالْبَاءِ لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى عُنِيَ وَاهْتَمَّ. وَقَدْ عَلِمْتَ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ سَالَ بِمَعْنَى اسْتَعْجَلَ، فَتَكُونُ تَعْدِيَتُهُ بِالْبَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ [الْحَج: 47] وَقَوْلِهِ: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِها [الشورى:
18] .
وَقَوْلُهُ: لِلْكافِرينَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لَغْوًا مُتَعَلِّقًا بِ واقِعٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ: هُوَ لِلْكَافِرِينَ.
وَالْلَّامُ لِشِبْهِ الْمِلْكِ، أَيْ عَذَابٍ مِنْ خَصَائِصِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ [الْبَقَرَة: 24] .
وَوَصْفُ الْعَذَابِ بِأَنَّهُ وَاقِعٌ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ أَوْصَافِهِ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً [المعارج: 6] إِدْمَاجٌ مُعْتَرِضٌ لِيُفِيدَ تَعْجِيلَ الْإِجَابَةِ عَمَّا سَأَلَ عَنْهُ سَائِلٌ بِكِلَا مَعْنَيَيِ