مُعْظَمِهَا، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى يُونُسَ لِأَنَّ الْحُوتَ الْتَقَمَهُ ثُمَّ قَذَفَهُ فَصَارَ (صَاحِبُ الْحُوتِ) لَقَبًا لَهُ لِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ مَعِيَّةٌ قَوِيَّةٌ.
وَقَدْ كَانَتْ مُؤَاخَذَةُ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى ضَجَرِهِ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْمِهِ وَهُمْ أَهْلُ نِينَوَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الصافات.
وإِذْ طرف زَمَانٍ وَهُوَ وَجُمْلَتُهُ مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِقْرَارٍ مَنْصُوبٍ عَلَى الْحَالِ أَيْ فِي حَالَةِ وَقْتِ نِدَائِهِ رَبَّهُ، فَإِنَّهُ مَا نَادَى رَبَّهُ إِلَّا لِإِنْقَاذِهِ مِنْ كَرْبِهِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ بِسَبَبِ مُغَاضَبَتِهِ وَضَجَرِهِ مِنْ قَوْمِهِ، أَيْ لَا يَكُنْ مِنْكَ مَا يُلْجِئُكَ إِلَى مِثْلِ نِدَائِهِ.
وَالْمَكْظُومُ: الْمَحْبُوسُ الْمَسْدُودُ عَلَيْهِ يُقَالُ: كَظَمَ الْبَابَ أَغْلَقَهُ وَكَظَمَ النَّهْرَ إِذَا سَدَّهُ، وَالْمَعْنَى: نَادَى فِي حَالِ حَبْسِهِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ.
وَجِيءَ بِهَذِهِ الْحَالِ جُمْلَةً اسْمِيَّةً لِدَلَالَتِهَا عَلَى الثَّبَاتِ، أَيْ هُوَ فِي حَبْسٍ لَا يُرْجَى لِمِثْلِهِ سَرَاحٌ، وَهَذَا تَمْهِيدٌ لِلْامْتِنَانِ عَلَيْهِ بِالنَّجَاةِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الْحَبْسِ.
وَقَوْلُهُ: لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ إِلَخِ اسْتِئْنَاف بياني ناشىء عَنْ مَضْمُونِ النَّهْيِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى إِلَخْ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ التَّحْذِيرَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي كَرْبٍ مِنْ قَبِيلِ كَرْبِ يُونُسَ ثُمَّ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَكُونُ انْفِرَاجُهُ.
وأَنْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنْ (أَنَّ) ، وَاسْمُهَا ضَمِيرُ شَأْنٍ مَحْذُوفٌ، وَجُمْلَةُ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ خَبَرُهَا. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، أَيْ لَوْلَا تَدَارَكَ رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ.
وَالتَّدَارُكُ: تَفَاعُلُ مِنَ الدَّرَكِ بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الْلَّحَاقُ، أَيْ أَنْ يَلْحَقَ بَعْضُ السَّائِرِينَ بَعْضًا وَهُوَ يَقْتَضِي تَسَابُقَهُمْ وَهُوَ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي مُبَالَغَةِ إِدْرَاكِ نِعْمَةِ اللَّهِ إِيَّاهُ.
وَالنَّبْذُ: الطَّرْحُ وَالتَّرْكُ. وَالْعَرَاءُ مَمْدُودًا: الْفَضَاءُ مِنَ الْأَرْضِ الَّذِي لَا نَبَاتَ فِيهِ وَلَا بِنَاءَ.
وَالْمَعْنَى: لَنَبَذَهُ الْحُوتُ أَوِ الْبَحْرُ بِالْفَضَاءِ الْخَالِي لِأَنَّ الْحُوتَ الَّذِي ابْتَلَعَهُ مِنَ النَّوْعِ
الَّذِي يُرْضِعُ فِرَاخَهُ فَهُوَ يَقْتَرِبُ مِنَ السَّوَاحِلِ الْخَالِيَةِ الْمُتَرَامِيَةِ الْأَطْرَافِ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ وَفِرَاخِهِ.