وَإِذَا أُرِيدَ بِالْحَرْدِ الْغَضَبُ وَالْحَنَقُ فَإِنَّهُ يُقَالُ: حَرَدٌ بِالتَّحْرِيكِ وَحَرْدٌ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَيَتَعَلَّقُ الْمَجْرُورُ بِ قادِرِينَ وَتَقْدِيمُهُ لِلْحَصْرِ، أَيْ غَدَوْا لَا قُدْرَةَ لَهُمْ إِلَّا عَلَى الْحَنَقِ وَالْغَضَبِ عَلَى الْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُمْ يَقْتَحِمُونَ عَلَيْهِمْ جَنَّتَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ فَتَحَيَّلُوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْكِيرِ إِلَى جِذَاذِهَا، أَيْ لَمْ يَقْدِرُوا إِلَّا عَلَى الْغَضَبِ وَالْحَنَقِ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى مَا أَرَادُوهُ مِنِ اجْتِنَاءِ ثَمَرِ الْجَنَّةِ.

وَعَنِ السُّدِّيِّ: أَنَّ حَرْدٍ اسْمُ قَرْيَتِهِمْ، أَيْ جَنَّتُهُمْ. وَأَحْسَبُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ مُلَفَّقٌ وَكَأَنَّ صَاحِبَهُ تَصَيَّدَهُ مِنْ فِعْلَيْ اغْدُوا وغَدَوْا.

[26- 32]

[سُورَة الْقَلَم (68) : الْآيَات 26 إِلَى 32]

فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30)

قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (31) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (32)

أَيِ اسْتَفَاقُوا مِنْ غَفْلَتِهِمْ وَرَجَعُوا على أَنْفُسِهِمْ بِالْلَّائِمَةِ عَلَى بَطَرِهِمْ وَإِهْمَالِ شُكْرِ النِّعْمَةِ الَّتِي سِيقَتْ إِلَيْهِمْ، وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ أُخِذُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى: وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الْأَعْرَاف: 168] . وَمِنْ حِكَمِ الشَّيْخِ ابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ الْإِسْكَنْدَرِيِّ «مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النِّعَمَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِزَوَالِهَا، وَمَنْ شَكَرَهَا فَقَدْ قَيَّدَهَا بِعِقَالِهَا» .

وَأَفَادَتْ (لَمَّا) اقْتِرَانَ جَوَابِهَا بِشَرْطِهَا بِالْفَوْرِ وَالْبَدَاهَةِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّعْرِيضُ لِلْمُشْرِكِينَ بِأَنْ يَكُونَ حَالُهُمْ فِي تَدَارُكِ أَمْرَهِمْ وَسُرْعَةِ إِنَابَتِهِمْ كَحَالِ أَصْحَابِ هَذِهِ الْجَنَّةِ إِذْ بَادَرُوا بِالنَّدَمِ وَسَأَلُوا اللَّهَ عِوَضَ خَيْرٍ.

وَإِسْنَادُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ إِلَى ضَمِيرِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ [الْقَلَم: 17] يَقْتَضِي أَنَّهُمْ قَالُوهُ جَمِيعًا، أَيِ اتَّفَقُوا عَلَى إِدْرَاكِ سَبَبِ مَا أَصَابَهُمْ.

وَمَعْنَى إِنَّا لَضَالُّونَ أَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي ضَلَالٍ أَيْ عَنْ طَرِيقِ الشُّكْرِ، أَيْ كَانُوا غَيْرَ مُهْتَدِينَ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِ مَا أَصَابَهُمْ عِقَابًا عَلَى إِهْمَالِ الشُّكْرِ، فَالضَّلَالُ مَجَازٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015