الْكِتَابَةَ فَتَضَمَّنَ تَشْرِيفَ حُرُوفِ الْهِجَاءِ وَالْكِتَابَةِ وَالْعِلْمِ لِتَهْيِئَةِ الْأُمَّةِ لِخَلْعِ دِثَارِ الْأُمِّيَّةِ عَنْهُمْ وَإِقْبَالِهِمْ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالْعِلْمِ لِتَكُونَ الْكِتَابَةُ وَالْعِلْمُ سَبَبًا لِحِفْظِ الْقُرْآنِ.

ثُمَّ أَنْحَى عَلَى زُعَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ مَثْلِ أَبِي جَهْلٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِمَذَمَّاتٍ كَثِيرَةٍ وَتَوَعَّدَهُمْ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ وَبِبَلَايَا فِي الدُّنْيَا بِأَنْ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا بِمَنْ غَرَّهُمْ عِزَّهُمْ وَثَرَاؤُهُمْ، فَأَزَالَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَأَبَادَ نِعْمَتَهُمْ.

وَقَابَلَ ذَلِكَ بِحَالِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ وَأَنَّ اللَّهَ اجْتَبَاهُمْ بِالْإِسْلَامِ، وَأَنَّ آلِهَتَهُمْ لَا يُغْنُونَ عَنْهُمْ شَيْئًا مِنَ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ.

وَوَعَظَهُمْ بِأَنَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ اسْتِدْرَاجٌ وَإِمْلَاءٌ جَزَاءَ كَيْدِهِمْ. وَأَنَّهُمْ لَا مَعْذِرَةَ لَهُمْ فِيمَا قَابَلُوا بِهِ دَعْوَةَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طُغْيَانِهِمْ وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي الْإِنْصَاتِ إِلَيْهَا.

وَأَمَرَ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّبْرِ فِي تَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ وَتَلَقِّي أَذَى قَوْمِهِ، وَأَنْ لَا يَضْجَرَ فِي ذَلِكَ

ضَجَرًا عَاتَبَ الله عَلَيْهِ نبيئه يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

[1- 4]

[سُورَة الْقَلَم (68) : الْآيَات 1 الى 4]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)

ن افْتِتَاحُ هَذِهِ السُّورَةِ بِأَحَدِ حُرُوفِ الْهِجَاءِ جَارٍ عَلَى طَرِيقَةِ أَمْثَالِهَا مِنْ فَوَاتِحِ السُّوَرِ ذَوَاتِ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ الْمُبَيَّنَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهَذِهِ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ مُفْتَتَحَةً بِحَرْفٍ مَقْطَعٍ مِنْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ.

وَرَسَمُوا حَرْفَ ن بِصُورَتِهِ الَّتِي يُرْسَمُ بِهَا فِي الْخَطِّ وَهِيَ مُسَمَّى اسْمِهِ الَّذِي هُوَ نُونٌ (بِنُونٍ بَعْدَهَا وَاوٍ ثُمَّ نُونٍ) وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تُكْتَبَ الْحُرُوفُ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَبَعٌ لِلنُّطْقِ وَالْمَنْطُوقِ بِهِ هُوَ اسْمُ الْحَرْفِ لَا ذَاتُهُ، لِأَنَّكَ إِذَا أَرَدْتَ كِتَابَةَ سَيْفٍ مَثَلًا فَإِنَّمَا تَرْسُمُ سِينًا، وَيَاءً، وَفَاءً، وَلَا تَرْسُمُ صُورَةَ سَيْفٍ.

وَإِنَّمَا يُقْرَأُ بِاسْمِ الْحِرَفِ لَا بِهِجَائِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

وَيُنْطَقُ بِاسْمِ نُونٍ سَاكِنَ الْآخِرِ سُكُونَ الْكَلِمَاتِ قَبْلَ دُخُولِ الْعَوَامِلِ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ قرىء فِي الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015