وَقَدْ ذكر الله باسمها فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَقَالَ ابْنُ التِّلْمِسَانِيِّ فِي «شَرْحِ الشِّفَاءِ» لِعِيَاضٍ: لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ امْرَأَةً فِي الْقُرْآنِ بِاسْمِهَا إِلَّا مَرْيَم للتّنْبِيه عَلَى أَنَّهَا أَمَةُ اللَّهِ إِبْطَالًا لِعَقَائِدِ النَّصَارَى.
وَالْإِحْصَانُ: جَعْلُ الشَّيْءِ حَصِينًا، أَيْ لَا يُسْلَكُ إِلَيْهِ. وَمَعْنَاهُ: مَنَعَتْ فَرْجَهَا عَنِ الرِّجَالِ.
وَتَفْرِيعُ فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا تَفْرِيعُ الْعَطِيَّةِ عَلَى الْعَمَلِ لِأَجْلِهِ. أَيْ جَزَيْنَاهَا عَلَى
إِحْصَانِ فَرْجِهَا، أَيْ بِأَنْ كَوَّنَ اللَّهُ فِيهِ نَبِيئًا بِصِفَةٍ خَارِقَةِ لِلْعَادَةِ فَخَلَّدَ بِذَلِكَ ذِكْرَهَا فِي الصَّالِحَاتِ.
وَالنَّفْخُ: مُسْتَعَارٌ لِسُرْعَةِ إِبْدَاعِ الْحَيَاةِ فِي الْمُكَوَّنِ فِي رَحِمِهَا. وَإِضَافَةُ الرُّوحِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ لِأَنَّ تَكْوِينَ الْمَخْلُوقِ الْحَيِّ فِي رَحِمِهَا كَانَ دُونَ الْأَسْبَابِ الْمُعْتَادَةِ، أَوْ أُرِيدَ بِالرُّوحِ الْمَلَكُ الَّذِي يُؤْمَرُ بِنَفْخِ الْأَرْوَاحِ فِي الْأَجِنَّةِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تَكُونُ مِنْ تَبْعِيضِيَّةً، وَعَلَى الثَّانِي تَكُونُ ابْتِدَائِيَّةً، وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ [91] .
وَتَصْدِيقُهَا: يَقِينُهَا بِأَنَّ مَا أَبْلَغَ إِلَيْهَا الْمَلَكُ مِنْ إِرَادَةِ الله حملهَا.
وبِكَلِماتِ رَبِّها: هِيَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي أَلْقَاهَا إِلَيْهَا بِطَرِيقِ الْوَحْي.
ووَ كُتُبِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ «الْإِنْجِيلَ» الَّذِي جَاءَ بِهِ ابْنُهَا عِيسَى وَهُوَ إِن لَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا فِي زَمَنِ عِيسَى فَقَدْ كَتَبَهُ الْحَوَارِيُّونَ فِي حَيَاةِ مَرْيَمَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَاد ب كُتُبِهِ، أَرَادَهُ اللَّهُ وَقَدَّرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْ دُونِ مَسِّ رَجُلٍ إِيَّاهَا مِنْ بَابِ وَكَانَ كِتَابًا مَفْعُولًا.
وَالْقَانِتُ: الْمُتَمَحِّضُ لِلطَّاعَةِ. يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ومِنْ لِلِابْتِدَاءِ.
وَالْمُرَادُ بِالْقَانِتِينَ: الْمُكْثِرُونَ مِنَ الْعِبَادَةِ. وَالْمَعْنَى أَنَّهَا كَانَتْ سَلِيلَةَ قَوْمٍ صَالِحِينَ، أَيْ فَجَاءَتْ عَلَى طَرِيقَةِ أُصُولِهَا فِي الْخَيْرِ وَالْعَفَافِ.
وَهَلْ يُنْبِتُ الْخَطِّيُّ إِلَّا وَشِيجَهُ