يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)
كَانَتْ مَوْعِظَةُ نسَاء النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَاسِبَةً لِتَنْبِيهِ الْمُؤْمِنِينَ لِعَدَمِ الْغَفْلَةِ عَنْ مَوْعِظَةِ أَنْفُسِهِمْ وَمَوْعِظَةِ أَهْلِيهِمْ وَأَنْ لَا يَصُدَّهُمُ اسْتِبْقَاءُ الْوِدِّ بَيْنَهُمْ عَنْ إِسْدَاءِ النُّصْحِ لَهُمْ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْأَذَى.
وَهَذَا نِدَاءٌ ثَانٍ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَقْصُودِ مِنَ النِّدَاءِ الْأَوَّلِ نِدَاء النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التَّحْرِيم: 1] .
وُجِّهَ الْخِطَابُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ ليأتنسوا بالنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةِ أَهْلِيهِمْ.
وَعَبَّرَ عَنِ الْمَوْعِظَةِ وَالتَّحْذِيرِ بِالْوِقَايَةِ مِنَ النَّارِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِأَنَّ الْمَوْعِظَةَ سَبَبٌ فِي تَجَنُّبِ مَا يُفْضِي إِلَى عَذَابِ النَّارِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ بِتَشْبِيهِ الْمَوْعِظَةِ بِالْوِقَايَةِ مِنَ النَّارِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالِغَةِ فِي الْمَوْعِظَةِ.
وَتَنْكِيرُ «نَارًا» لِلتَّعْظِيمِ وَأُجْرِيَ عَلَيْهَا وُصْفٌ بِجُمْلَةِ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ زِيَادَةً فِي التَّحْذِيرِ لِئَلَّا يَكُونُوا مِنْ وَقُودِ النَّارِ. وَتَذْكِيرًا بِحَالِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ [98] . وَتَفْظِيعًا لِلنَّارِ إِذْ يَكُونُ الْحَجَرُ عِوَضًا لَهَا عَنِ الْحَطَبِ.
وَوُصِفَتِ النَّارُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ لِأَنَّ مَضْمُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [24] مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ وَبِمَا تَقَدَّمَهُمَا مَعًا مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ [98] .
والْحِجارَةُ: جَمْعُ الْحَجَرِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ فَإِنَّ قِيَاسَهُ أَحْجَارٌ فَجَمَعُوهُ عَلَى حِجَارٍ بِوَزْنِ فِعَالٍ وَأَلْحَقُوا بِهِ هَاءَ التَّأْنِيثِ كَمَا قَالُوا: بِكَارَةٌ جَمْعُ بَكْرٍ، وَمِهَارَةٌ جَمْعُ مُهْرٍ.
وَزِيدَ فِي تَهْوِيلِ النَّارِ بِأَنَّ عَلَيْهَا مَلَائِكَةً غِلَاظًا شِدَادًا وَجُمْلَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ إِلَى
آخِرِهَا صِفَةٌ ثَانِيَةٌ.