وتارةً يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلاً من القرآن ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به كمن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيقول: قال الله تعالى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)} (?)، ويشير إلى قلبه ويومئ إلى أنه المراد [233/ ب] من فرعون.

وهذا الجنس قد يستعمله بعض الوعاظ في المقاصد الصحيحة؛ تحسيناً للكلام، وترغيباً للمستمع وهو ممنوع، وقد يستعمله الباطنية في المقاصد الفاسدة لتغرير الناس، ودعوتهم إلى مذهبهم الباطل، فينزلون القرآن على وفق رأيهم ومذهبهم على أمور يعلمون قطعاً أنها غير مرادة.

فهذه الفنون أحد وجهي المنع من التفسير بالرأي.

(الوجه الثاني): أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن، وما فيه من الألفاظ المبهمة والمبدلة، وما فيه من الاختصار، والحذف والإضمار، والتقديم والتأخير، فمن لم يحكم ظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية أكثر غلطه، ودخل في زمرة من فسر القرآن بالرأي، فالنقل والسماع لا بد منه في ظاهر التفسير أولاً؛ ليتقى به مواضع الغلط, ثم بعد ذلك يتسع التفهم والاستنباط، والغرائب التي لا تفهم إلا بالسماع كثيرة، ولا مطمع إلى الوصول إلى الباطن قبل أحكام الظاهر، ألا ترى قوله تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا} (?) معناه: أنها مبصرة فظلموا أنفسهم بقتلها، فالناظر إلى ظاهر العربية يظن أن المراد به: أن الناقة كانت مبصرة ولم تكن عمياء، ولا يدري بماذا ظلموا أو أنهم ظلموا غيرهم أو أنفسهم، فهذا من الحذف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015