قوله: "مستخلفكم فيها" أقول: هو مأخوذ [120 ب] من قوله تعالى: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)} (?)، ومن قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} (?) الآية، أي: يجعلكم خلف عن سلف، ويمكن لكم فيها فناظر كيف تعملون فيما استخلفكم فيه، وهو عالم بما تعملون، لكنه أراد إبراز علمه اليقين إلى عين اليقين، [و] (?) هو تحذير من الاغترار بالدنيا. وقد امتن الله على عباده في عدة آيات بأنه جعلهم خلائف الأرض، وخلائف في الأرض، كما قالت الرسل لأممهم: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} (?) كما قاله هود لقومه، وكما قاله صالح لقومه: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ} (?) الآية. وفي هذه الأخبار منه تعالى ومن رسوله - صلى الله عليه وسلم - تزهيد، وأنها كانت تحت يد أقوام فارقوها كذلك أنتم مفارقون لها, ولذا قيل:
إذا أنت لا تدري متى أنت ميت ... وقبرك لا تدري بأي مكان
فحسبك قول الناس فيما ملكته ... لقد كان هذا مرة لفلان
وهو نظير قوله: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} (?).