خلقه (?) الجنين في بطن أمه في ظلمات ثلاث، وحفظه فيها، وتغذيته بواسطة السرة إلى أن ينفصل فينتقل إلى التناول بالفم، ثم إلهامه إياه عند الانفصال التقامه الثدي وامتصاصه ولو في ظلام الليل من غير تعليم ومشاهدة، بل تتفقأ البيضة عن الفرخ وقد ألهمه التقاط الحب في الحال، ثم تأخير خلق الأسنان عن أول الخلقة للاستغناء باللبن عن السن، بل لو خلقت عند ولادته لأضر بحلمة الثدي، ثم إتيانها بعد ذلك عند الحاجة إلى طحن الطعام، ثم تقسيم الأسنان إلى عريضة، وإلى أنياب للكسر، وإلى ثنايا حادة الأطراف للقطع، ثم استعمال اللسان الذي الغرض الأظهر منه النطق في رد الطعام إلى المطحن كالمجرفة، ولو ذكر لطفه بها تيسير لقمة يتناولها (?) العبد من غير كلفة يتجشمها، وقد تعاون على إصلاحها خلق لا يحصى عددهم، ومصلح الأرض وزارعها وساقيها وحاصدها ومنقيها وطاحنها وعاجنها وخابزها إلى غير ذلك، لكان لا يستوفي شرحه.
وعلى الجملة: فهو من حيث دبر الأمور حكيم، ومن حيث أوجدها جواد، ومن حيث زينها مصور، ومن حيث وضع كل شيء موضعه عدل ومن حيث لم يترك فيها دقائق وجوب الرفق لطيف، ولا يعرف حقائق هذه الأسماء من لم يعرف حقيقة هذه الأفعال.
ومن لطفه أنه أعطى عباده فوق الكفاية وكلفهم دون الطاقة، ومن لطفه أن يسر لهم [443 ب] الوصول إلى سعادة الأبد بسعي خفيف بها مدة قصيرة وهو العمر، فإنه لا نسبة له إلى الأبد، ومن سرح طرف فكره فيما لطف ربه له به عرف عجائب لطفه.
فائدة (?): يتخلق العبد من هذا الوصف اللطف بالعباد والرفق بهم والتلطف بهم في الدعوة إلى الله تعالى والهداية إلى النجاة، من غير عنف ولا خصام ولا إقناط ولا ترخيص.