فالآية [المطلبة] (?) مقيدة بمشيئته تعالى.

وقد ذكر القشيري في "رسالته" (?) الخلاف في المسألة فقال: اختلف أيُّ الأمرين أولى: الدعاء أو السكوت والرضا؟ فقيل: الدعاء، وهو الذي ينبغي ترجيحه لكثرة الأدلة، ولما فيه من الخضوع والافتقار، وقيل: السكوت والتسليم أفضل، لما في التسليم من الفضل وشبهتهم أن الداعي لا يعرف ما قدر له دعاؤه، إن كان على وفق المقدور فهو تحصيل الحاصل، وإن كان على خلافه فهو معاندة.

قال ابن القيم (?): إن هذه الطائفة مع فرط جهلهم وعنادهم متناقضون، فإن ظاهر مذهبهم يوجب تعطيل جميع الأسباب، فيقال لأحدهم: إن كان الشبع والري قد قدر لك فلا بدَّ من وقوعهما أكلت أو لم تأكل، وإن كان الولد [387 ب] قد قدر لك فلا بدَّ منه وطئت الزوجة أو الأمة أو لم تطأ، وإن لم يقدر فلا حاجة إلى التزويج والتسري.

فالصواب: أن هذا المقدور الذي تطلبه قدر بأسباب، من أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجرداً عن سببه ولكن قدر بسببه، فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور، وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر؛ إذا عرفت هذا فالدعاء من أقوى الأسباب، وليس شيء من الأسباب أبلغ من الدعاء، ولا أبلغ منه في حصول المطلوب، وما استجلب شيء أنفع من الدعاء، ولا دفع المكروه شيء أنفع منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015