هَؤُلَاءِ أَن الله يحب فِي الْأَزَل من كَانَ كَافِرًا إِذا علم مِنْهُ أَن يَمُوت مُؤمنا، فالصحابة / مازالوا محبوبين قبل إسْلَامهمْ، وإبليس وَمن ارْتَدَّ عَن دينه مَا زَالَ الله يبغضه وَإِن كَانَ لم يكفر بعد.

[ورد] ذَلِك: بِأَن هَذَا لَيْسَ مُرَاد السّلف فِي الِاسْتِثْنَاء.

ثمَّ صَار إِلَى هَذَا طَائِفَة غلوا فِيهِ، حَتَّى صَار الرجل مِنْهُم يَسْتَثْنِي فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَة يَقُول: صليت إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَنَحْوه، يَعْنِي: الْقبُول، ثمَّ صَار كثير يستثنون فِي كل شَيْء، فَيَقُول أحدهم: هَذَا ثوب إِن شَاءَ الله تَعَالَى، هَذَا حَبل إِن شَاءَ الله، فَإِذا قيل لَهُم: هَذَا لَا شكّ فِيهِ، يَقُولُونَ: نعم، لَكِن إِذا شَاءَ الله أَن يُغَيِّرهُ غَيره.

المأخذ الثَّانِي: أَن الْإِيمَان الْمُطلق يتَضَمَّن فعل مَا أَمر الله بِهِ عَبده كُله، وَترك مَا نَهَاهُ عَنهُ كُله، فَإِذا قَالَ الرجل: أَنا مُؤمن بِهَذَا الإعتبار فقد شهد لنَفسِهِ أَنه من الْأَبْرَار الْمُتَّقِينَ، القائمين بِجَمِيعِ مَا أَمر بِهِ وَترك مَا نهى الله عَنهُ، فَيكون من أَوْلِيَاء الله المقربين، وَهَذَا من تَزْكِيَة الْإِنْسَان لنَفسِهِ وَلَو كَانَت هَذِه الشَّهَادَة صَحِيحَة؛ لَكَانَ يَنْبَغِي أَن يشْهد لنَفسِهِ بِالْجنَّةِ إِن مَاتَ على هَذَا الْحَال، وَهَذَا مَأْخَذ عَامَّة السّلف الَّذين كَانُوا يستثنون، وَإِن جوزوا ترك الِاسْتِثْنَاء بِمَعْنى آخر.

حين وقف على المقابر وإنا إن شاء الله بكم لاحقون

ويحتجون أَيْضا -: بِجَوَاز الِاسْتِثْنَاء فِيمَا لَا شكّ فِيهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله} [الْفَتْح: 27] ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين وقف على الْمَقَابِر: " وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015