وَالْحَاصِل: أَن الْعَام المشافه فِيهِ بِحكم لَا خلاف فِي شُمُوله لُغَة للمشافهين وَفِي غَيرهم حكما، وَكَذَا الْخلاف فِي غَيرهم: هَل الحكم شَامِل لَهُم باللغة، أَو بِدَلِيل آخر؟
ذهب جمع من الْحَنَابِلَة وَالْحَنَفِيَّة إِلَى أَنه من اللَّفْظ، أَي: اللّغَوِيّ.
وَذهب الْأَكْثَر إِلَى أَنه بِدَلِيل آخر، وَذَلِكَ مِمَّا علم من عُمُوم دينه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالضَّرُورَةِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {لأنذركم بِهِ وَمن بلغ} [الْأَنْعَام: 19] ، وَقَوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " بعث إِلَى النَّاس كَافَّة " قَالَ: وَهَذَا معنى قَول كثير كَابْن الْحَاجِب: إِن مثل {يَا أَيهَا النَّاس} لَيْسَ خطابا لمن بعدهمْ، أَي: من بعد المواجهين وَإِنَّمَا ثَبت الحكم بِدَلِيل آخر من إِجْمَاع أَو نَص، أَو قِيَاس.
وَاسْتَدَلُّوا: بِأَنَّهُ لَا يُقَال للمعدومين: {يَا أَيهَا النَّاس} .
وَأَجَابُوا عَمَّا اسْتدلَّ بِهِ الْخصم بِأَنَّهُ لَو لم يكن المعدومون مخاطبين بذلك لم يكن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا إِلَيْهِم، بِأَنَّهُ لَا يتَعَيَّن الْخطاب الشفاهي فِي الْإِرْسَال، بل مُطلق الْخطاب كَاف، وَالله أعلم.